موسوعة شاملة حياة سيدنا عيسى


موسوعة شاملة حياة سيدنا عيسى


نبذة عن عيسى عليه السلام ؟.
نبذة:

مثل عيسى مثل آدم خلقه الله من تراب وقال له كن فيكون، هو عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وهو الذي بشر بالنبي محمد، آتاه الله البينات وأيده بروح القدس وكان وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، كلم الناس في المهد وكهلا وكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرا، ويبرئ الأكمه والأبرص ويخرج الموتى كل بإذن الله، دعا المسيح قومه لعبادة الله الواحد الأحد ولكنهم أبوا واستكبروا وعارضوه، ولم يؤمن به سوى بسطاء قومه، رفعه الله إلى السماء وسيهبط حينما يشاء الله إلى الأرض ليكون شهيدا على الناس.


سيرته:

الحديث عن نبي الله عيسى عليه السلام، يستدعي الحديث عن أمه مريم، بل وعن ذرية آل عمران هذه الذرية التي اصطفاها الله تعالى واختارها، كما اختار آدم ونوحا وآل إبراهيم على العالمين.

آل عمران أسرة كريمة مكونة من عمران والد مريم، وامرأة عمران أم مريم، ومريم، وعيسى عليه السلام؛ فعمران جد عيسى لأمه، وامرأة عمران جدته لأمه، وكان عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه، وكانت زوجته امرأة عمران امرأة صالحة كذلك، وكانت لا تلد، فدعت الله تعالى أن يرزقها ولدا، ونذرت أن تجعله مفرغا للعبادة ولخدمة بيت المقدس، فاستجاب الله دعاءها، ولكن شاء الله أن تلد أنثى هي مريم، وجعل الله تعالى كفالتها ورعايتها إلى زكريا عليه السلام، وهو زوج خالتها، وإنما قدر الله ذلك لتقتبس منه علما نافعا، وعملا صالحا.

كانت مريم مثالا للعبادة والتقوى، وأسبغ الله تعالى عليها فضله ونعمه مما لفت أنظار الآخرين، فكان زكريا عليه السلام كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا، فيسألها من أين لك هذا، فتجيب: (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ).

كل ذلك إنما كان تمهيدا للمعجزة العظمى؛ حيث ولد عيسى عليه السلام من هذه المرأة الطاهرة النقية، دون أن يكون له أب كسائر الخلق، واستمع إلى بداية القصة كما أوردها القرآن الكريم، قال تعالى:

وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ (42) (آل عمران)

بهذه الكلمات البسيطة فهمت مريم أن الله يختارها، ويطهرها ويختارها ويجعلها على رأس نساء الوجود.. هذا الوجود، والوجود الذي لم يخلق بعد.. هي أعظم فتاة في الدنيا وبعد قيامة الأموات وخلق الآخرة.. وعادت الملائكة تتحدث:

يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) (آل عمران)

ولادة عيسى عليه السلام:

كان الأمر الصادر بعد البشارة أن تزيد من خشوعها، وسجودها وركوعها لله.. وملأ قلب مريم إحساس مفاجئ بأن شيئا عظيما يوشك أن يقع.. ويروي الله تعالى في القرآن الكريم قصة ولادة عيسى عليه السلام فيقول:

وَاذكُر فِى الكِتَابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِهَا مَكَاناً شَرقِياً (16) فَاتخَذَت مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرسَلنَا إِلَيهَا رُوحَنَا فَتَمَثلَ لَهَا بَشَراً سَوِياً (17) قَالَت إِني أَعُوذُ بِالرحمَـنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِياً (18) قَالَ إِنمَا أَنَا رَسُولُ رَبكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِياً (19) قَالَت أنى يَكُونُ لِى غُلامٌ وَلَم يَمسَسنِى بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِياً (20) قَالَ كَذلِكَ قَالَ رَبكَ هُوَ عَلَى هَينٌ وَلِنَجعَلَهُ ءايَةً للناسِ وَرَحمَةً منا وَكَانَ أَمراً مقضِياً (21) (مريم)

جاء جبريل –عليه السلام- لمريم وهي في المحراب على صورة بشر في غاية الجمال. فخافت مريم وقالت: (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) أرادت أن تحتمي في الله.. وسألته هل هو إنسان طيب يعرف الله ويتقيه.

فجاء جوابه ليطمئنها بأنه يخاف الله ويتقيه: (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا)

اطمئنت مريم للغريب، لكن سرعان ما تذكّرت ما قاله (لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا) استغربت مريم العذراء من ذلك.. فلم يمسسها بشر من قبل.. ولم تتزوج، ولم يخطبها أحد، كيف تنجب بغير زواج!! فقالت لرسول ربّها: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)

قال الروح الأمين: (كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا)

استقبل عقل مريم كلمات الروح الأمين.. ألم يقل لها إن هذا هو أمر الله ..؟ وكل شيء ينفذ إذا أمر الله.. ثم أي غرابة في أن تلد بغير أن يمسسها بشر..؟ لقد خلق الله سبحانه وتعالى آدم من غير أب أو أم، لم يكن هناك ذكر وأنثى قبل خلق آدم. وخلقت حواء من آدم فهي قد خلقت من ذكر بغير أنثى.. ويخلق ابنها من غير أب.. يخلق من أنثى بغير ذكر.. والعادة أن يخلق الإنسان من ذكر وأنثى.. العادة أن يكون له أب وأم.. لكن المعجزة تقع عندما يريد الله تعالى أن تقع.. عاد جبريل عليه السلام يتحدث: (إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ)

زادت دهشة مريم.. قبل أن تحمله في بطنها تعرف اسمه.. وتعرف أنه سيكون وجيها عند الله وعند الناس، وتعرف أنه سيكلم الناس وهو طفل وهو كبير.. وقبل أن يتحرك فم مريم بسؤال آخر.. نفخ جبريل عليه السلام في جيب مريم –الجيب هو شق الثوب الذي يكون في الصدر- فحملت فورا.

ومرت الأيام.. كان حملها يختلف عن حمل النساء.. لم تمرض ولم تشعر بثقل ولا أحست أن شيئا زاد عليها ولا ارتفع بطنها كعادة النساء.. كان حملها به نعمة طيبة. وجاء الشهر التاسع.. وفي العلماء من يقول إن الفاء تفيد التعقيب السريع.. بمعنى أن مريم لم تحمل بعيسى تسعة أشهر، وإنما ولدته مباشرة كمعجزة..

خرجت مريم ذات يوم إلى مكان بعيد.. إنها تحس أن شيئا سيقع اليوم.. لكنها لا تعرف حقيقة هذا الشيء.. قادتها قدماها إلى مكان يمتلئ بالشجر.. والنخل، مكان لا يقصده أحد لبعده.. مكان لا يعرفه غيرها.. لم يكن الناس يعرفون أن مريم حامل.. وإنها ستلد.. كان المحراب مغلقا عليها، والناس يعرفون أنها تتعبد فلا يقترب منها أحد..

جلست مريم تستريح تحت جذع نخلة؛ لم تكن نخلة كاملة، إنما جذع فقط، لتظهر معجزات الله سبحانه وتعالى لمريم عند ولادة عيسى فيطمئن قلبها.. وراحت تفكر في نفسها.. كانت تشعر بألم.. وراح الألم يتزايد ويجيء في مراحل متقاربة.. وبدأت مريم تلد..

فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) (مريم)

إن ألم الميلاد يحمل لنفس العذراء الطاهرة آلاما أخرى تتوقعها ولم تقع بعد.. كيف يستقبل الناس طفلها هذا..؟ وماذا يقولون عنها..؟ إنهم يعرفون أنها عذراء.. فكيف تلد العذراء..؟ هل يصدق الناس أنها ولدته بغير أن يمسسها بشر..؟ وتصورت نظرات الشك.. وكلمات الفضول.. وتعليقات الناس.. وامتلأ قلبها بالحزن..

وولدت في نفس اللحظة من قدر عليه أن يحمل في قلبه أحزان البشرية.. لم تكد مريم تنتهي من تمنيها الموت والنسيان، حتى نادها الطفل الذي ولد:

فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26) (مريم)

نظرت مريم إلى المسيح.. سمعته يطلب منها أن تكف عن حزنها.. ويطلب منها أن تهز جذع النخلة لتسقط عليها بعض ثمارها الشهية.. فلتأكل، ولتشرب، ولتمتلئ بالسلام والفرح ولا تفكر في شيء.. فإذا رأت من البشر أحدا فلتقل لهم أنها نذرت للرحمن صوما فلن تكلم اليوم إنسانا.. ولتدع له الباقي..

لم تكد تلمس جذعها حتى تساقط عليها رطب شهي.. فأكلت وشربت ولفت الطفل في ملابسها.. كان تفكير مريم العذراء كله يدور حول مركز واحد.. هو عيسى، وهي تتساءل بينها وبين نفسها: كيف يستقبله اليهود..؟ ماذا يقولون فيه..؟ هل يصدق أحد من كهنة اليهود الذين يعيشون على الغش والخديعة والسرقة..؟ هل يصدق أحدهم وهو بعيد عن الله أن الله هو الذي رزقها هذا الطفل؟ إن موعد خلوتها ينتهي، ولا بد أن تعود إلى قومها.. فماذا يقولون الناس؟

مواجهة القوم:

كان الوقت عصرا حين عادت مريم.. وكان السوق الكبير الذي يقع في طريقها إلى المسجد يمتلئ بالناس الذي فرغوا من البيع والشراء وجلسوا يثرثرون. لم تكد مريم تتوسط السوق حتى لاحظ الناس أنها تحمل طفلا، وتضمه لصدرها وتمشي به في جلال وبطئ..

تسائل أحد الفضوليين: أليست هذه مريم العذراء..؟ طفل من هذا الذي تحمله على صدرها..؟

قال أحدهم: هو طفلها.. ترى أي قصة ستخرج بها علينا..؟

وجاء كهنة اليهود يسألونها.. ابن من هذا يا مريم؟ لماذا لا تردين؟ هو ابنك قطعا.. كيف جاءك ولد وأنت عذراء؟

يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) (مريم)

الكلمة ترمي مريم بالبغاء.. هكذا مباشرة دون استماع أو تحقيق أو تثبت.. ترميها بالبغاء وتعيرها بأنها من بيت طيب وليست أمها بغيا.. فكيف صارت هي كذلك؟ راحت الاتهامات تسقط عليها وهي مرفوعة الرأس.. تومض عيناها بالكبرياء والأمومة.. ويشع من وجهها نور يفيض بالثقة.. فلما زادت الأسئلة، وضاق الحال، وانحصر المجال، وامتنع المقال، اشتد توكلها على ذي الجلال وأشارت إليه..

أشارت بيدها لعيسى.. واندهش الناس.. فهموا أنها صائمة عن الكلام وترجو منهم أن يسألوه هو كيف جاء.. تساءل الكهنة ورؤساء اليهود كيف يوجهون السؤال لطفل ولد منذ أيام.. هل يتكلم طفل في لفافته..؟!

قالوا لمريم: (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا).

قال عيسى:

قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) (مريم)

لم يكد عيسى ينتهي من كلامه حتى كانت وجوه الكهنة والأحبار ممتقعة وشاحبة.. كانوا يشهدون معجزة تقع أمامهم مباشرة.. هذا طفل يتكلم في مهده.. طفل جاء بغير أب.. طفل يقول أن الله قد آتاه الكتاب وجعله نبيا.. هذا يعني إن سلطتهم في طريقها إلى الانهيار.. سيصبح كل واحد فيهم بلا قيمة عندما يكبر هذا الطفل.. لن يستطيع أن يبيع الغفران للناس، أو يحكمهم عن طريق ادعائه أنه ظل السماء على الأرض، أو باعتباره الوحيد العارف في الشريعة.. شعر كهنة اليهود بالمأساة الشخصية التي جاءتهم بميلاد هذا الطفل.. إن مجرد مجيء المسيح يعني إعادة الناس إلى عبادة الله وحده.. وهذا معناه إعدام الديانة اليهودية الحالية.. فالفرق بين تعاليم موسى وتصرفات اليهود كان يشبه الفرق بين نجوم السماء ووحل الطرقات.. وتكتم رهبان اليهود قصة ميلاد عيسى وكلامه في المهد.. واتهموا مريم العذراء ببهتان عظيم.. اتهموها بالبغاء.. رغم أنهم عاينوا بأنفسهم معجزة كلام ابنها في المهد.

وتخبرنا بعض الروايات أن مريم هاجرت بعيسى إلى مصر، بينما تخبرنا روايات أخرى بأن هجرتها كانت من بيت لحم لبيت المقدس. إلا أن المعروف لدينا هو أن هذه الهجرة كانت قبل بعثته.

معجزاته:

كبر عيسى.. ونزل عليه الوحي، وأعطاه الله الإنجيل. وكان عمره آنذاك -كما يرى الكثير من العلماء- ثلاثون سنة. وأظهر الله على يديه المعجزات. يقول المولى عزّ وجل في كتابه عن معجزات عيسى عليه السلام:

وَيُعَلمُهُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَالتورَاةَ وَالإِنجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسرائيلَ أني قَد جِئتُكُم بِآيَةٍ من ربكُم أَنِي أَخلُقُ لَكُم منَ الطينِ كَهَيئَةِ الطيرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيرًا بِإِذنِ اللهِ وَأُبرِىْ الأكمَهَ والأبرَصَ وَأُحي المَوتَى بِإِذنِ اللهِ وَأُنَبئُكُم بِمَا تَأكُلُونَ وَمَا تَدخِرُونَ فِى بُيُوتِكُم إِن فِي ذلِكَ لآيَةً لكُم إِن كُنتُم مؤمِنِينَ (49) وَمُصَدقًا لمَا بَينَ يَدَي مِنَ التورَاةِ وَلأحِل لَكُم بَعضَ الذِي حُرمَ عَلَيكُم وَجِئتُكُم بِآيَةٍ من ربكُم فَاتقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِن اللهَ رَبي وَرَبكُم فَاعبُدُوهُ هَـذَا صِراطٌ مستَقِيمٌ (51) (آل عمران)

فكان عيسى –عليه السلام- رسولا لبني إسرائيل فقط. ومعجزاته هي:

علّمه الله التوراة.

يصنع من الطين شكل الطير ثم ينفخ فيه فيصبح طيرا حيّا يطير أمام أعينهم.

يعالج الأكمه (وهو من ولد أعمى)، فيمسح على عينيه أمامهم فيبصر.

يعالج الأبرص (وهو المرض الذي يصيب الجلد فيجعل لونه أبيضا)، فيسمح على جسمه فيعود سليما.

يخبرهم بما يخبئون في بيوتهم، وما أعدّت لهم زوجاتهم من طعام.

وكان –عليه السلام- يحيي الموتى.

إيمان الحواريون:

جاء عيسى ليخفف عن بني إسرائيل بإباحة بعض الأمور التي حرمتها التوراة عليهم عقابا لهم. إلا أن بني إسرائيل –مع كل هذه الآيات- كفروا. قال تعالى:

فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) (آل عمران)

وقال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) (الصف)

قيل أن عدد الحواريين كان سبعة عشر رجلا، لكن الروايات الأرجح أنهم كانوا اثني عشر رجلا. آمن الحواريون، لكن التردد لا يزال موجودا في نفوسهم. قال الله تعالى قصة هذا التردد:

إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (115) (المائدة)

استجاب الله عز وجل، لكنه حذّرهم من الكفر بعد هذه الآية التي جاءت تلبية لطلبهم. نزلت المائدة، وأكل الحواريون منها، وظلوا على إيمانهم وتصديقهم لعيسى –عليه السلام- إلا رجل واحد كفر بعد رفع عيسى عليه السلام.

رفع عيسى عليه السلام:

لما بدأ الناس يتحدثون عن معجزات عيسى عليه السلام، خاف رهبان اليهود أن يتبع الناس الدين الجديد فيضيع سلطانهم. فذهبوا لمَلك تلك المناطق وكان تابعا للروم. وقالوا له أن عيسى يزعم أنه مَلك اليهود، وسيأخذ المُلك منك. فخاف المَلك وأمر بالبحث عن عيسى –عليه السلام- ليقتله.

جاءت روايات كثيرة جدا عن رفع عيسى –عليه السلام- إلى السماء، معظمها من الإسرائيليات أو نقلا عن الإنجيل. وسنشير إلى أرجح رواية هنا.

عندما بلغ عيسى عليه السلام أنهم يريدون قتله، خرج على أصحابه وسألهم من منهم مستعد أن يلقي الله عليه شبهه فيصلب بدلا منه ويكون معه في الجنة. فقام شاب، فحنّ عليه عيسى عليه السلام لأنه لا يزال شابا. فسألهم مرة ثانية، فقام نفس الشاب. فنزل عليه شبه عيسى عليه السلام، ورفع الله عيسى أمام أعين الحواريين إلى السماء. وجاء اليهود وأخذوا الشبه وقتلوه ثم صلبوه. ثم أمسك اليهود الحواريين فكفر واحد منهم. ثم أطلقوهم خشية أن يغضب الناس. فظل الحواريون يدعون بالسر. وظل النصارى على التوحيد أكثر من مئتين سنة. ثم آمن أحد ملوك الروم واسمه قسطنطين، وأدخل الشركيات في دين النصارى.

يقول ابن عباس: افترق النصارى ثلاث فرق. فقالت طائفة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء. وقالت طائفة: كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه. وقلت طائفة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء ثم رفعه الله إليه. فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا –صلى الله عليه وسلم- فذلك قول الله تعالى: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ).

وقال تعالى عن رفعه:

وَقَولِهِم إِنا قَتَلنَا المَسِيحَ عِيسَى ابنَ مَريَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبهَ لَهُم وَإِن الذِينَ اختَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَك منهُ مَا لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إِلا اتبَاعَ الظن وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَل رفَعَهُ اللهُ إِلَيهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) وَإِن من أَهلِ الكِتَابِ إِلا لَيُؤمِنَن بِهِ قَبلَ مَوتِهِ وَيَومَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيهِم شَهِيداً (159) (النساء)

لا يزال عيسى –عليه السلام- حيا. ويدل على ذلك أحاديث صحيحة كثيرة. والحديث الجامع لها في مسند الإمام أحمد:

حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا يحيى، عن ابن أبي عروبة قال: ثنا قتادة، عن عبد الرحمن بن آدم، عن أبي هريرة،: (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأنبياء إخوة لعلات، دينهم واحد وأمهاتهم شتى، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وأنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، سبط كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل بين ممصرتين، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، و يعطل الملل حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب، وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعاً، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا يضر بعضهم بعضاً، فيمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يتوفى، فيصلي عليه المسلمون و يدفنونه.)

(مربوع) ليس بالطويل وليس بالقصير، (إلى الحمرة والبياض) وجهه أبيض فيه احمرار، (سبط) شعره ناعم، (ممصرتين) عصاتين أو منارتين وفي الحديث الآخر ينزل عند المنارة البيضاء من مسجد دمشق.

وفي الحديث الصحيح الآخر يحدد لنا رسولنا الكريم مدة مكوثه في الأرض فيقول: (فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى، و يصلي عليه المسلمون).

لا بد أن يذوق الإنسان الموت. عيسى لم يمت وإنما رفع إلى السماء، لذلك سيذوق الموت في نهاية الزمان.

ويخبرنا المولى عز وجل بحوار لم يقع بعد، هو حواره مع عيسى عليه السلام يوم القيامة فيقول:

وَإِذ قَالَ اللهُ يا عِيسَى ابنَ مَريَمَ أَءنتَ قُلتَ لِلناسِ اتخِذُونِي وَأُميَ إِلَـهَينِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَن أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَق إِن كُنتُ قُلتُهُ فَقَد عَلِمتَهُ تَعلَمُ مَا فِى نَفسِي وَلاَ أَعلَمُ مَا فِى نَفسِكَ إِنكَ أَنتَ عَلامُ الغُيُوبِ (116) مَا قُلتُ لَهُم إِلا مَا أَمَرتَنِي بِهِ أَنِ اعبُدُوا اللهَ رَبي وَرَبكُم وَكُنتُ عَلَيهِم شَهِيداً ما دُمتُ فِيهِم فَلَما تَوَفيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرقِيبَ عَلَيهِم وَأَنتَ عَلَى كُل شَىء شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذبهُم فَإِنهُم عِبَادُكَ وَإِن تَغفِر لَهُم فَإِنكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (118) (المائدة)

هذا هو عيسى بن مريم عليه السلام، آخر الرسل قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.



موسوعة شاملة حياة سيدنا عيسى


من إرهاصات سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام قبل النبوة :
سيدنا عيسى عليه وعلى نبينــا أفضل الصلاة والسلام, كان عيسى عليه السلام خاتمة أنبياء بني إسرائيل , وقد أرسله الله إليهم وأنزل عليه الإنجيل, وأيده بخوارق عادات باهرات، من هذه الخوارق : ما كان إرهاصاً لنبوته, ومعنى إرهاصاً: أي دليلاً مسبقاً على نبوته، تمهيداً لنبوته، إثباتاً لنبوته، ومنها ما كان معجزة مرافقة لرسالته ليشهد الله له بصدقه فيما يبلغ عن ربه .
1.ولادته من أم من دون أب :
من إرهاصاته ولادته من أمٍ من دون أب وقد شهد الله بذلك في القرآن معلناً براءة أمه وحصانتها, موضحاً طريقة تكوينه في بطنها بوساطة نفخة من جبريل عليه السلام, الله سبحانه وتعالى حينما خلق الإنسان، صممه على أن يتكاثر عن طريق الزواج, فالزوج والزوجة ينجبان أولاداً هذه سنة الله في خلقه, وكأن سبب إنجاب الولد هو هذا الزواج, ومع مرور الأيام ترسب في أوهام الناس أن الزواج وحده هو سبب إنجاب الأولاد, وكأن الله سبحانه وتعالى لا دخل له في ذلك, إذا اعتقدت أن السبب وحده كافٍ لإحداث النتيجة فهذا شرك, السبب وحده لا يكفي، لابد من فعل الله سبحانه وتعالى, لذلك مادام الزوج والزوجة – في العادة – ينجبان أولاداً، ربنا سبحانه وتعالى سيأتينا بأربعة حالات خاصة :
1. أن يأتي المولود من زوج بلا زوجة وهذه حال السيدة حواء .
2. أن يأتي المولود من زوجة بلا زوج وهذه حال سيدنا عيسى .
3. أن يأتي الطفل من دون أب ولا أم كما هي الحالة في سيدنا آدم .
4. وقد يتزوج الرجل بامرأة والرجل شاب في ريعان الشباب, والزوجة شابة في ريعان الشباب ولا ينجبان أولاداً.
فهل السبب وحده كافٍ لإحداث النتيجة؟ الجواب لا, فربنا عز وجل من حين لآخر يريد أن يعلمنا أن السبب وحده لا يكفــي لإحداث النتيجة، لا بد من المسبب الأول وهو الله سبحانه وتعالى، فإما أن يعطّل السبب وإما أن يلغيه، انظر معنى التعطيل ومعنى الإلغاء: قد يكون الزوجان شابان لا ينجبان أولاداً، الله عطّل السبب , وإما أن يلغيه يحدث إنجاب أولاد من دون أب, كما هي الحال عند سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام, هذه عقيدة ومهمة جداً .
نموذج من الأمثلة لبيان الحقيقة بأن الفاعل الحقيقي من وراء هذه الأسباب هو الله :
مثال1:
لو أن مصباحاً كهربائياً وُضع في جهة ما من الغرفة, ووضع إلى جانبه مفتاح كهربائي لا علاقة له بالمصباح إطلاقاً، ليس هناك اتصال بينهما، ووضع خط بين المصباح، خط كهربائي سرّي إلى مكان يجلس فيه إنسان، دخل إلى الغرفة داخـــل رأى مصباحاً ورأى مفتاحاً، فتوجه إلى المفتاح وضغط المفتاح فتألق المصباح، هذا الجالس على كرسي وثير في مكان بعيد بمجرد أن وضع الداخل يده على المفتاح ضغط من عنده الزر فتألق المصباح, فتوهم هذا الداخل أنه هو الذي حرّك الزر فتألق المصباح، فهذا الجالس أراد أن يعرّفه أن ضغطك لهذا الزر لا علاقة له لتألق المصباح, ولا يكفي ضغط الزر لتألق المصباح , فدخل مرة وتوجه إلى المفتاح وضغط الزر فلم يتألق المصباح, وفي مرة ثانية جعله يدخل وجعل المصباح يتألق من دون ضغط الزر، هدف هذا الجالس على الكرسي: أن يعرف هذا الداخل أنه ليس هو الذي يؤلق المصباح, يقول لك: هذه البرزة مُبرمجة, ففي النواة عرى مُلونة (جينات) تحمل مورثات، عبارة عن تعليمات مرسومة على العرى الملونة في الجينات والجينات فيها خمسة آلاف مليون معلومة، كلما قلنا: هذه النواة مسؤولة عن تشكل الجنين, وهذه الغدة مسؤولة عن تنظيم توازن السوائل، وهذه الغدة مسؤولة عن إحداث الاستجابات الكافية عند الخطر، وهذا المركز مسؤول عن توازن السوائل، وهذا المركز مسؤول عن التنفس، بمعنى أيها الدارس تعطي المادة فوق حجمها، تجعلها عاقلاً، تجعلها إنساناً مخططاً عاقلا، هذا شرك بالله عزّ وجل .
مثال2:
لو أنّ مطبعة من أحدث المطابع صممت لطبع الورق على وجهين بشكل مستمر، تطبع لوجهين ولخمسة ألوان، هذه المطبعة مصممة تصميم رائع جداً، خبرات العالم كله في مئة عام سابقة مجموعة في هذه المطبعة، هذه المطبعة تُشبه تصميم الخلق، أسطواناتها، أجهزتها الإلكترونية، فيها عقول إلكترونية، فيها قطع ضوئية، فيها تنضيد ضوئي، فيها أشياء دقيقة جداً، فيها لوحات التصوير، فيها لوحات اللمس، فيها تطابق الألوان، هذه المطبعة بهذا التصميم، بهذه الأدوات، وبهذه التحكمات، تشكل الخلق, ما قيمة المطبعة من دون ورق، ومن دون حبر؟ لا قيمة لها، الأوراق والحبر يشكل الإمداد أي التربية, وحينما يُضغط على الزر فتعمل الكهرباء عملها، في المولدات، وتحرك العجلات، هذه الكهرباء هي الإرادة الإلهية في إحداث الشيء تقريباً,
أصبح عندنا : خلق، و تربية، تسييــر، فالشيء الذي تراه أعينكم فيه خلق وفيه تربية وفيه تسيير, علماء التوحيد لخصوا هذا كله في كلمتين فقالوا: عندها لا بها,
يعني عند الإرادة لا بالسبب, الشيء يحدث عندما يريد الله له أن يحدث, لا باتخاذ الأسباب، لذلك
قال العلماء:
اتخذ الأسباب وتوكل على رب الأرباب, توكل على مُسبب الأسباب
أردت من هذا الكلام أن تعلموا أن السبب وحده لا يكفي لإحداث النتيجة, لا بد من فعل الله عزّ وجل في كل مرة, هذه هي العقيدة المستنبطة من آيات القرآن الكريم،
فكل إنسان ينجب ولداً, هذا الولد من خلق الله، يد الله هي التي صورته في الرحم، الرّب هو الذي أمده بالغذاء، الخالق هو الذي خلقه على هذا الشكل، الإرادة الإلهية هي التي فعلت فعلها في تصويره في رحم الأم، فكل شيء يمكن أن تفهم من خلاله الخالق، والرب، والمسيّر، فهذه هي المعجزة الأولى لسيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام .
أدلة الكتاب والسنة حول موضوع الأسباب والتأثر بها ونسيان المؤثر :
قال محمد عليه الصلاة والسلام:
عن عَبْدَ الْحَمِيدِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ وَكَانَتْ تَخْدِمُ بَعْضَ بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ابْنَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهَا فَيَقُولُ قُولِي حِينَ تُصْبِحِينَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ لا قُوَّةَ إلا بِاللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ مَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ حَتَّى يُمْسِيَ وَمَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُمْسِي حُفِظَ حَتَّى يُصْبِحَ
[ورد في الأثر]
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
(اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)
[سور الزُمر الآية : 62]
(وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ)
[سور هود الآية : 123]
(أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ)
[سور الشورى الآية : 53]
(وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)
[سور الأنفال الآية : 17]
(يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)
[سور الفتح الآية : 10]
(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
[سور فاطر الآية : 2]
2.كلامه في المهد :
المعجزة الثانية من معجزات إرهاصات النبوة: تكلمه وهو صبي في المهد، وفي حكاية كلامه وهو صبي, ووصف لحال أمه حينما جاءت إلى قومها تحمله،
قال تعالى في سورة مريم :
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً * ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ)
[سورة مريم الآية : 27- 34]
معجزات سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام :
وأما معجزاته: فقد أرسل الله عيسى عليه السلام في قومٍ يفاخرون بمهاراتهم بالطب، بحسب مستوى زمانهم, فأجرى الله على يديه معجزات باهرات تُشاكل نوع مهارة قومه بحسب الصورة, ولكن بمستوى لا يستطيع الطب بالغاً ما بلغ أن يصل إليها، فمن هذه المعجزات:
1. نفخ الروح في الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله, هذه معجزة فوق طاقة البشر.
2. أنه يمسح الأكمه, والأكمه هو الذي وُلد أعمى، ما رأى النور في حياته, فيبرئه بإذن الله .
3. أنه يمسح على الأبرص فيشفيه بإذن الله, والبرص من أعقد الأمراض التي تستعصي على الطب .
4. أنه يحيي الموتى بإذن الله, بعضهم قال: بالنداء, وبعضهم قال: بالنفث .
5. أنه يُنبئ الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم, وهذا نوع من الاطّلاع على الأشياء المحجوبة والبعيدة, ونفوذ العلم بها إلى ما وراء الحجب مستحيل .
6. أنه كفّ الله بني إسرائيل عنه حينما أرادوا قتله, وألقى شبهه على من دلّ على مكانه ثم رفعه إليه:
(وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)
[سورة النساء الآية : 157]
(وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ)
[سورة النساء الآية : 157-158]
7. أن الحواريين طلبوا من سيدنا عيسى عليه السلام أن يُنزل الله عليهم مائدة من السماء ليأكلوا منها, ولتطمئن قلوبهم بالإيمان فيثبتوا عليه, فدعا عيسى ربه فأنزل عليهم المائدة التي طلبوها فكانت معجزة كبيرة له .
في سورة المائدة نصٌ جمع كل هذه المعجزات
قال تعالى :
(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ * إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ)
[سورة المائدة الآية : 110- 115]
وقد سميت سورة في القرآن كامله باسم إحدى معجزات سيدنا المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهي سورة المائدة وكذلك سورة باسم أمه البتول مريم وكذلك سورة آل عمران.
سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في القرآن :
لقد تحدث الله عنه في القرآن باسمه عيسى في المواضع التالية:
(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)
[سورة آل عمران الآية: 52]
(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)
[سورة آل عمران الآية: 55]
(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)
[سورة آل عمران الآية: 59]
(وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ)
[سورة الزخرف الآية: 63]
لقد تحدث الله عنه في القرآن باسمه المسيح في المواضع التالية:
(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً)
[سورة النساء الآية: 172]
(وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)
[سورة المائدة الآية: 72]
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)
[سورة التوبة الآية: 30]
لقد تحدث الله عنه في القرآن باسمه ابن مريم فقط في المواضع التالية:
(وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ)
[سورة المؤمنون الآية: 50]
(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ)
[سورة الزخرف الآية: 57 - 60]
لقد تحدث الله عنه في القرآن باسمه ابن مريم في المواضع التالية:
(وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ)
[سورة البقرة الآية: 87]
(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)
[سورة البقرة الآية: 253]
(إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)
[سورة آل عمران الآية: 45]
(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً)
[سورة النساء الآية: 157 - 159]
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً)
[سورة النساء الآية: 171]
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
[سورة المائدة الآية: 17]
(وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
[سورة المائدة الآية: 46 - 47]
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
[سورة المائدة الآية: 72 - 76]
(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)
[سورة المائدة الآية: 78 - 79]
(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ (115) وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
[سورة المائدة الآية: 110- 118]
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)
[سورة التوبة الآية: 30 - 31]
(ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)
[سورة مريم الآية: 34 - 36]
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً)
[سورة الأحزاب الآية: 7 - 8]
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)
[سورة الحديد الآية: 26 - 27]
(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)
[سورة الصف الآية: 6]
السيدة مريم عليها السلام في القرآن :
قال الله تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41) وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)
[سورة آل عمران الآية: 33 - 60]
(وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً)
[سورة النساء الآية: 156]
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً)
[سورة النساء الآية: 171]
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً (31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً (33) ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)
[سورة مريم الآية: 16 - 36]
سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في الحديث الشريف :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وليس بيني وبين عيسى ابن مريم نبي
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :
ما أظلَّتِ الخضراءُ، ولا أقلَّتِ الغبراءُ مِنْ ذِي لَهْجَة أصْدَقَ ولا أوْفى مِن أبي ذرّ، شبهِ عيسى ابن مريم
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم :
أبو ذر يمشي في الأرض بزهد عيسى ابن مريم
قال رسولَ الله صلى الله عليه وسلم :
إن الله تبارك وتعالى أمر يحيى بنَ زكريا بخمس كلمات : أن يعملَ بها، ويأمرَ بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنه كاد أن يُبطِئ بها، فقال له عيسى : إن الله أمرك بخمس كلمات : أن تعملَ بها، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإما أن تأمرَهم، وإما أن آمرَهم، فقال يحيى : أخْشَى إن سبقتني بها أن يُخْسَفَ بي أو أُعَذّب، فَجَمَع الناسَ في بيت المقدس، فامتلأ المسجدُ، وقعدوا على الشُّرَف،
فقال : إن الله أمرني بخمس كلمات : أن أعملَ بهنَّ، وآمرَكم أن تعملوا بهنَّ،
أوَّلُهنَّ : أن تعبُدوا الله، ولا تشرِكوا به شيئاً، فإنَّ مَثَل مَنْ أشرك بالله شيئاً كمثلِ رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو وَرِق، فقال : هذه داري، وهذا عملي، فاعملْ وأدِّ إليَّ، فكان يعمل ويؤدِّي إلى غير سيده، فأيُّكم يرضى أن يكون عبدُه كذلك ؟
وإن الله أمرَكم بالصلاة، فإذا صلَّيتُم فلا تلتفتوا، فإنَّ الله يَنْصِب وجهه لوجه عبده في صلاته، ما لم يلتفتْ،
وآمرُكم بالصيام، فإنَّ مَثَل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صُرَّة فيها مِسك، كلهم يعجبه ريحها، وإنَّ ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك،
وآمرُكم بالصدَقةِ، فإن مَثَلَ ذلك كمثلِ رجل أسَره العدوُّ، فأوثقوا يديه إلى عنقه، وقَدَّمُوه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفْدِي نفسي منكم بالقليل، والكثير، ففَدَى نَفْسَه منهم،
وآمرُكم أن تَذْكروا الله، فإن مَثَل ذلك كمثل رجل خرج العدوُّ في أثره سِراعا، حتى إذا أتى على حِصْن حصين أحرز نفسه منهم، وكذلك العبدُ لا يُحْرِزُ نفسه من الشيطان إلا بِذِكر الله،
أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال :
رأى عيسى رَجُلاً يَسْرِق، فقال له : سرقتَ ؟ قال : كلا، والذي لا إِله إِلا هو، فقال عيسى : آمنت بالله، وكَذَّبْتُ عينيَّ
أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال :
أن عيسى ابن مريم عليه السلام قال : إنما الأمور ثلاثة : أمر تبين لك رشده فاتبعه، وأمر تبين لك غيه فاجتنبته، وأمر اختلف فيه فرده إلى عالمه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أن نفراً مروا على عيسى ابن مريم عليه السلام فقال : يموت أحد هؤلاء اليوم إن شاء الله . فمضوا ثم رجعوا عليه بالعشي ومعهم حزم الحطب فقال : ضعوا، فقال – للذي قال : يموت اليوم: حل حطبك. فحله فإذا فيه حية سوداء فقال : ما عملت اليوم ؟ قال : ما عملت شيئاً ! قال : انظر ما عملت. قال : ما عملت شيئاً إلا أنه كان معي في يدي فلقة من خبز فمر بي مسكين فسألني فأعطيته بعضها ! فقال : بها دُفع عنك
دحية الكلبي رضي الله عنه :
أنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر فقدمت عليه فأعطيته الكتاب وعنده ابن أخ له سبط الرأس فلما قرأ الكتاب كان فيه : ‘ من محمد رسول الله إلى هرقل صاحب الروم ‘ .
قال : فنخر ابن أخيه نخرة وقال : لا تقرأ هذا اليوم .
فقال له قيصر : لم ؟ قال : إنه بدأ بنفسه وكتب صاحب الروم ولم يكتب ملك الروم .
فقال له قيصر : لتقرأنه فلما قرأ الكتاب وخرجوا من عنده، أدخلني عليه وأرسل إلى الأسقف – وهو صاحب أمرهم – فأخبره وأقرأه الكتاب
فقال الأسقف : هذا الذي كنا ننتظر وبشرنا به عيسى .
فقال له قيصر : فكيف تأمرني ؟ قال له الأسقف : أما أنا فمصدقه ومتبعه
فقال له قيصر : أما أنا إن فعلت ذهب ملكي، ثم خرجنا من عنده . فأرسل قيصر إلى أبي سفيان وهو يومئذ عنده
فقال : حدثني عن هذا الذي خرج بأرضكم ما هو ؟ قال : شاب . قال : كيف حسبه فيكم ؟ قال : هو في حسب منا لا يفضل عليه أحد . قال : هذه آية النبوة . قال : كيف صدقه ؟ قال : ما كذب قط . قال : هذه آية النبوة . قال : أرأيت من خرج من أصحابه إليه هل يرجع إليكم ؟ قال : لا . قال : هذه آية النبوة . قال : أرأيت من خرج من أصحابه إليكم يرجعون إليه ؟ قال : نعم . قال : هذه آية النبوة . قال : هل ينكث أحياناً إذا قاتل هو وأصحابه ؟ قال : قد قاتله قوم فهزمهم وهزموه . قال : هذه آية النبوة . قال : ثم دعاني
فقال : أبلغ صاحبك أني أعلم أنه نبي ولكن لا أترك ملكي .
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ونحن نحو من ثمانين رجلاً فأتوا النجاشي، وبعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية فلما دخلا على النجاشي سجدا له ثم ابتدراه عن يمينه وعن شماله ثم
قالا : إن نفراً من بني عمنا نزلوا أرضك ورغبوا عنا وعن ملتنا،
قال : فأين هم ؟
قالا : هم في أرضك فابعث إليهم فابعث إليهم،
قال جعفر : أنا خطيبكم اليوم فاتبعوه فسلم ولم يسجد
فقالوا له : ما لك لا تسجد للملك ؟
قال : إنا لا نسجد إلا لله عز وجل،
قال : وما ذاك ؟
قال : إن الله عز وجل بعث إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم وأمرنا أن لا نسجد لأحد إلا لله عز وجل وأمرنا بالصلاة والزكاة.
قال عمرو بن العاص : فإنهم يخالفونك في عيسى،
قال : ما يقولون في عيسى ابن مريم وأمه ؟
قال : نقول كما قال الله عز وجل : هو كلمة الله وروحه ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها ولم يفترضها ولد.
قال : فرفع عوداً من الأرض وقال : يا معشر القسيسين والرهبان والله ما يزيدون على الذي نقول فيه ما سوى هذا، مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده أشهد إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه الذي نجده في الإنجيل وإنه الذي بشر به عيسى ابن مريم انزلوا حيث شئتم فوالله لو ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا أحمل نعليه وأوضئه. وأمر بهدية الآخرين فردت عليهما.
والحمد الله رب العالمين

منقول عن : العقيدة الإسلامية – الدرس (32-63) : معجزات سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
معجزات سيدنا عيسى عليه السلام

لما بلغ سيدنا عيسى المسيح عليه السلام الثلاثين من عمره، أوحى الله تعالى إليه أن يدعو الناس إلى عبادة الله عز وجل، فخرج يجوب البلاد، ويجول في القرى، يدعو إلى الإسلام قائلا للناس: "أن اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا وءامنوا بأني رسول الله إليكم"، فآمن به أول من ءامن اثنا عشر شخصا يسمون "الحواريين".
يروى أنه كان من أول معجزات سيدنا عيسى عليه السلام، أن والدته السيدة مريم عليها السلام دفعته مرات عديدة للقيام بأعمال شتى، وءاخر من دفعته إليهم كانوا جماعة صابغي الثياب يبيضونها ويلونونها، فأراد صاحب العمل السفر، فقال لسيدنا عيسى عليه السلام: عندي ثياب كثيرة مختلفة الألوان، وقد علمتك الصبغة فاصبغ كل واحدة منها باللون الذي حددته لك، ووضعت خيطا من اللون المطلوب عليها.
فسخن سيدنا عيسى وعاء واحدًا كبيرًا ووضع فيه ألوانًا عديدة، ثم وضع الثياب كلها في هذا الوعاء، وقال كوني بإذن الله على ما أريده منك، فعاد صاحب العمل من السفر والثياب كلها في الوعاء، فلما رءاها دهش، وقال: لقد أفسدتها.
فأخرج سيدنا عيسى ثوبًا أحمر وثوبًا أصفر وءاخر أخضر إلى غير ذلك مما كان على كل ثوب مكتوب عليه صبغته، فعجب صاحب العمل، وعلم أن ذلك من الله فآمن بسيدنا عيسى عليه السلام ودعا الناس إليه فآمنوا به، وكان هذا الرجل من جملة الحواريين الذين كانوا يشدون أزر سيدنا عيسى في دعوته إلى دين الله تعالى.
وتوالت المعجزات، فمر يومًا بجماعة يصطادون السمك ورئيسهم يدعى "شمعون"، فقال لهم سيدنا عيسى: ما تصنعون؟ قالوا: نصيد السمك، قال:أفلا تمشون حتى نصيد الناس؟ أي لنهديهم إلى الإسلام. قالوا: ومن أنت؟ فأجاب: "أنا عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله".
فسألوه دليلا يدلهم على صدقه في ما قال، وكان شمعون قد رمى بشبكته في الماء تلك الليلة فما اصطاد شيئًا، فأمره سيدنا عيسى عليه السلام بإلقاء شبكته مرة أخرى، ودعا الله تعالى متضرعًا إليه، فما هي إلالحظات يسيرة، حتى اجتمع في تلك الشبكة من السمك ما كادت تتمزق من كثرته، فاستعانوا بأهل سفينة أخرى، وملأوا السفينتين من السمك، فعند ذلك ءامنوا به وانطلقوا معه، فصاروا من جملة الحواريين الذين كانوا يصطادون السمك.
فلما ءامنوا بسيدنا عيسى عليه السلام صاروا يصطادون الناس ليهدوهم إلى دين الإسلام، وسموا بالحواريين لبياض ثيابهم وقيل بل لأنهم كانوا أنصار سيدنا عيسى عليه السلام وأعوانه المخلصين في محبته وطاعته وخدمته.
لم يكن الكفار بعيدين عن أخبار تلك المعجزات الباهرات التي كانت تظهر على سيدنا عيسى المسيح، وشعروا وكأن البساط يسحب من تحتهم، وأنه يهدد كراسيهم ومناصبهم، فكم غروا أناسا وأضلوهم وحادوا بهم عن الطريق الحق، لمآربهم الدنيئة الخبيثة.
وها هو سيدنا عيسى الثابت القوي بالحجة والبرهان، يفضح أسرارهم، وينشر بين الناس مخازيهم، فأجمعوا أمرهم بينهم على محاربته أينما حل، وتكذيبه حيثما ذهب.
ويوما قالوا له إن كنت صادقًا في قولك ودعوتك فصور لنا خفاشًا من طين واجعله يطير، فقام سيدنا عيسى متوكلا على الله تعالى وأخذ طينًا وجعل منه خفاشًا، ثم نفخ فيه فقام يطير بإذن الله بين السماء والأرض وسط دهشة الناظرين، ولكنه ما إن غاب عن أعينهم حتى سقط ميتا.
وتحققت هذه الطريق المحبوب لدخول القلوب، فانغاظ الكفار إذ طلبوا الخفاش لأنه من أعجب وأغرب الخلق، ومن أكمل الطيور خلقًا، لأن لأنثاه ثديين وأسنانا وأذنين، ومن عجائبه أنه من لحم ودم يطير بغير ريش، ويلد كما يلد الحيوان، ولا يبيض كما تبيض سائر الطيور، فيكون له الضرع يخرج منه اللبن ولا يبصر في ضوء النهار، ولا في ظلمة الليل، وإنما يرى في ساعتين، بعد غروب الشمس ساعة، وبعد طلوع الفجر ساعة، ويضحك كما يضحك الإنسان، وتحيض أنثاه كما تحيض المرأة وكان تسوية الطين والنفخ من سيدنا عيسى والخلْق من الله عز وجل.
وكان من معجزاته عليه السلام أنه كان يبرئ الأكمه الذي يولد أعمى، والأبرص بإذن الله.
والبرص مرض يصيب الجلد ويكون على شكل بياض يغطي مساحات من الجسم، فينفر الناس من صاحبه، وخص هذان المرضان بالذكر لأنهما داءان معضلان، وكان الغالب على زمن سيدنا عيسى الطب، فأراهم الله المعجزة على يدي سيدنا عيسى من جنسِ ذلك، وكان يحيي الموتى بإذن الله، حتى قيل إنه أحيا أربعة من الخلق بمشيئة الله وقدرته.
كان سيدنا حِـزْقِـيلٌ قبل سيدنا عيسى أحيا ثمانية، وهو نبي من أنبياء الله من بني إسرائيل، كما أن سيدنا عيسى من بني اسرائيل، ومن الذين أحياهم سيدنا عيسى عليه السلام بإذن الله أحد أصدقائه، واسمه عازر، إذ لما مرض أرسلت أخته إلى سيدنا عيسى عليه السلام أن عازر يموت، فسار إليه وبينهما ثلاثة أيام، فوصل إليه فوجده قد مات، فأتى قبره فدعا الله عز وجل وقال: قم بإذن الله، فقام عازر بإذن الله، وعاش وولد له ولد.
ومن الذين أحيوا بإذن الله على يدي سيدنا عيسى المسيح ابن العجوز، فإنه مر به محمولا على سريره فدعا له سيدنا عيسى عليه السلام أن يقوم بإذن الله، فقام ونزل عن أكتاف الرجال، ولبس ثيابه ثم حمل سريره و رجع إلى أهله.
وكذلك فعل مع أحد الملوك إذ كان محمولا، وجرى معه ما جرى مع ابن العجوز، لكن الكفرة الحسدة لما رأوا ذلك قالوا تعنتًا: إنك تحيي من كان موته قريب، فلعلهم لم يموتوا بل أصيبوا بإغماء أو سكتة، فأحيي لنا سام بن نوح، وكان لسيدنا نوح عليه السلام أربعة أبناء، ثلاثة أسلموا ونجوا معه في السفينة سام وحام ويافث، أما الابن الرابع كنعان فقد أبى أن يؤمن ولم يصعد السفينة مع والده وإخوته فمات غرقًا.
فقال سيدنا عيسى عليه السلام: "دلوني على قبره".
فخرج سيدنا عيسى وخرج القوم معه، حتى انتهوا إلى قبره، فدعا الله فخرج سام، وقد كان من وقت موته أكثر من أربعة ءالاف سنة.
التفت سام وقال للناس مشيرًا إلى سيدنا عيسى المسيح: "صدقوه، فإنه نبي" ثم عاد إلى حاله، فآمن به بعضهم وكذبه البعض الآخر، وقالوا: هذا سحر.
وروي أن سيدنا عيسى عليه السلام في إحيائه للموتى بإذن الله، كان يضرب بعصاه الميت أو القبر أو الجمجمة فيحيا الإنسان ويكلمه ويعيش.
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه كان ينبئ قومه بما يأكلونه، ويدخرونه في بيوتهم، وذلك أنه لما أحيا الموتى بإذن الله، طلبوا منه ءاية أخرى، وقالوا: أخبرنا بما نأكل في بيوتنا وما ندخر للغد، فأخبرهم، فقال: "يا فلان، أنت أكلت كذا وكذا، وأنت أكلت كذا وكذا وادخرت كذا وكذا".
هذا بعض من معجزات سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام .
ما هي وظائف عيسى عليه السلام


الحمد لله
لعيسى عليه السلام حالان :

1- الحالة الأولى : قبل رفع الله له لما أراد اليهود صلبه . ووظائفه في ذلك الوقت كوظيفة أي نبي اُمر بتبليغ الرسالة ، وآتاه الله الإنجيل مصدقا للتوراة ، وأعطاه من المعجزات ما هو معلوم مثل أن : يبرىء الأكمه ، والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله وغيرها من المعجزات المعروفة . ( فدعا قومه إلى عبادة الله وتوحيده وطاعته وكان شهيداً عليهم طيلة مقامه ولبثه فيهم )
2- الحالة الثانية : في آخر الزمان حين يخرج الدجال ، فينزله الله إلى الأرض ، ويكون قائدا للمؤمنين وحاكما فيهم بشريعة الإسلام ، ويقتل الدجال ، وفي زمنه يخرج المهدي ، وتنزل البركة من الله حتى إن الناقة ليكفي لبنها العدد الكثير من الناس ، ويفيض المال ، وفي زمنه يخرج يأجوج ومأجوج ، ويعيثون في الأرض فسادا ، ( فيهلكهم الله ويحكم عيسى عليه السلام الأرض بشريعة الإسلام حتى يموت ويصلي عليه المسلمون ) ، ثم يرسل الله ريحا باردة فتقبض روح كل مؤمن ، فلا يبقى بعد ذلك إلا شِرار الناس ، وعليهم تقوم الساعة .
السؤال :
هل يمكن أن تخبرني كيف تم خلق النبي عيسى بالنسبة للحمل ؟.
الجواب :
الحمد لله
1- أمر الله تعالى جبريل الأمين أن ينفخ في جيب درعها وهو رقبة الثوب ومدخل الرأس منه فنزلت النّفخة بإذن الله فولجت رحمها فصارت روحاً خلقها الله تعالى . وقد بيّن عزّ وجلّ مبدأ خلق عيسى عليه السلام فقال تعالى { والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا } ، ثم بيَّن تعالى أن النفخ وصل إلى الفرج ، فقال عز وجل { ومريم بنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا } . ودلَ قوله تعالى { إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكيّاً } على أن النافخ هو جبريل ، وهو لا يفعل إلا بأمر الله .
2- وقد جاءت أقوال عن بعض المفسرين في مدة الحمل ، وأنها لحظات ، وهذا غير واضح ولا تدل عليه النصوص ، ولو كان كذلك لكان آية في نفسه ، يمكن أن يسلموا أنه ليس بالحمل العادي الذي تحمل به النساء ، وبعده : لا يتهمونها بالزنى كما قالوا { قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فريّاً } ، وفيما يلي كلام لإمامين جليلين من أهل التفسير ، أحدهما ممن مضى - وهو ابن كثير رحمه الله - ، والآخر من المعاصرين - وهو الشنقيطي رحمه الله - في بيان هذا الأمر .
3- قال الإمام ابن كثير رحمه الله :
اختلف المفسرون في مدة حمل عيسى عليه السلام فالمشهور عن الجمهور أنها حملت به تسعة أشهر ، .... وقال ابن جريج أخبرني المغيرة بن عتبة بن عبد الله الثقفي سمع ابن عباس وسئل عن حمل مريم قال لم يكن إلا أن حملت فوضعت !!
وهذا غريب وكأنه مأخوذ من ظاهر قوله تعالى { فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة } ، فالفاء وإن كانت للتعقيب لكن تعقيب كل شيء بحسبه كقوله تعالى { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما } ، فهذه الفاء للتعقيب بحسبها وقد ثبت في الصحيحين - البخاري 3208 ، مسلم 2643 - " أن بين كل صفتين أربعون يوما " ، وقال تعالى { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرّة } .
فالمشهور الظاهر - والله على كل شيء قدير - أنها حملت به كما تحمل النساء بأولادهن.
.... ولما استشعرت مريم من قومها إتهامها بالريبة انتبذت منهم { مكانا قصيا } أي قاصيا منهم بعيدا عنهم لئلا تراهم ولا يروها ، .... وتوارت من الناس واتخذت { من دونهم حجابا } فلا يراها أحد ولا تراه . " تفسير ابن كثير " ( 3 / 122 ) .
وقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :
وأقوال العلماء في قدر المدة التي حملت فيها مريم بعيسى قبل الوضع : لم نذكرها ؛ لعدم دليل على شيءٍ منها ، وأظهرها : أنه حمل كعادة حمل النساء ، وإن كان منشؤه خارقاً للعادة . والله تعالى أعلم . " أضواء البيان " ( 4 / 264 ) .
5- وقد استدل بعض الجهلة بقوله تعالى { ونفخت فيه من روحي } على أن المسيح جزء من روح الله !!
وقد بين ابن القيم رحمه الله ضلال هذا الاستدلال ، فقال :
وأما استدلالهم بإضافتها إليه سبحانه بقوله تعالى { ونفخت فيه من روحي } فينبغي أن يعلم أن المضاف إلى الله سبحانه نوعان :
صفات لا تقوم بأنفسها كالعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر فهذه إضافة صفة إلى الموصوف بها فعلمه وكلامه وإرادته وقدرته وحياته وصفات له غير مخلوقة وكذلك وجهه ويده سبحانه .
والثاني : إضافة أعيان منفصلة عنه كالبيت والناقة والعبد والرسول والروح فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه ومصنوع إلى صانعه لكنها إضافة تقتضي تخصيصا وتشريفا يتميز به المضاف عن غيره كبيت الله وإن كانت البيوت كلها ملكا له وكذلك ناقة الله والنوق كلها ملكه وخلقه لكن هذه إضافة إلى إلهيته تقتضي محبته لها وتكريمه وتشريفه بخلاف الإضافة العامة إلى ربوبيته حيث تقتضي خلقه وإيجاده فالإضافة العامة تقتضي الإيجاد والخاصة تقتضي الاختيار والله يخلق ما يشاء ويختار مما خلقه كما قال تعالى { وربك يخلق ما يشاء ويختار } وإضافة الروح إليه من هذه الإضافة الخاصة لا من العامة ولا من باب إضافة الصفات فتأمل هذا الموضع فإنه يخلّصك من ضلالات كثيرة وقع فيها من شاء الله من الناس . أ.هـ
"الروح" ( ص 154 ، 155 ) .
فالخلاصة أنّ وصف عيسى عليه السلام بأنّه روح الله هو من باب التشريف والتكريم لعيسى وهذه الإضافة ( وهي إضافة كلمة روح إلى لفظ الجلالة ) ليست إضافة صفة إلى الموصوف كيد الله ووجه الله وإنما هي إضافة المخلوق إلى خالقه كوصف الكعبة بأنها بيت الله وأيضا ناقة الله وهي المعجزة التي آتاها الله نبيه صالحا عليه السلام
والله أعلم .


موتى أحياهم عيسى عليه السلام بإذن الله





يقول القرآن الكريم إن عيسى أُعطيَ القدرة على إحياء الموتى "بإذن الله"، ونجد في إنتاج أهل التاريخ والقصص روايات عدة تتحدّث عن موتى أحياهم ابن مريم، يجد بعضها مصدره في الأناجيل الأربعة، كقصة إحياء ألعازر، أما البعض الآخر، فلا نجد له مقابلاً في الكتب التي تدخل ضمن قانون الكتاب المقدس، كقصة إحياء سام بن نوح، وقصة إحياء النبي عزيز.

في "عرائس المجالس"، تحدّث أبو إسحاق النيسابوري عن أربع أنفس أحياها عيسى بإذن من ربّه، يبدأ أشهر كتاب قصص الأنبياء بألعازر، وهو بحسب الراوي صديق ابن مريم، وقد ألمّ به مرض جعله يحتضر، فأرسلت أخته إلى نبي الله تخبره: "إنّ أخاك ألعازر يموت". وكان بين عيسى ومنزل صديقه ثلاثة أيام، ولما أدركه مع أصحابه وجده قد توفي، فقال لأخته: "انطلقي بنا إلى قبره". وقادته الأخت إلى قبر صديقه، وكان هذا القبر قائماً في صخرة مطبقة، فقال عيسى: "اللهمّ ربّ السموات السبع، إنك أرسلتني إلى بني إسرائيل أدعوهم إلى دينك، وأخبرتني أني أحيي الموتى بإذنك، فأحيِ العازر"، وقام ألعازر من قبره وأوداجه تقطر، وعاش وأنجب.

الحالة الثانية التي يذكرها الثعلبي هي ابن العجوز. "مُرّ به ميتا على عيسى عليه السلام، وهو يُحمل على سرير"، فدعا عيسى الله تعالى، فجلس الميت على سريره، "ونزل عن أعناق الرجال، ولبس ثيابه، وحمل السرير على عنقه، ورجع إلى أهله، فبقي وولد له".

أما الحالة الثالثة فهي بحسب النيسابوري ابنة العازر، وصل إليها عيسى فقيل له: "أتحييها وقد ماتت بالأمس؟ فدعا الله عزّ وجلّ فعاشت وبقيت وولدت".

ويختم الثعلبي حديثه عن إحياء عيسى الموتى بذكر قصة سام بن نوح، وقد أحياه روح الله بعدما دعا باسم الله الأعظم، فخرج الميت من قبره، وقد شاب نصف رأسه ظنا منه أن القيامة قد قامت، فقال له عيسى إن ساعتها لم تحلّ بعد، وإنه قام لأنه دعاه باسم الله الأعظم، ثم قال له: مت. فقال سام بن نوح: "بشرط أن يعيذني الله من سكرات الموت"، فدعا عيسى الله سبحانه، واستجاب الخالق الدعاء.

استعاد الرواة قصص الأنفس الأربع التي أحياها عيسى، وصاغوها بألفاظ مختلفة، وتختلف هذه الروايات في بعض التفاصيل بين صيغة وأخرى، كما أنها تأتي طوراً بإيجاز شديد، وطوراً من خلال سرد طويل تكثر فيه الحوارات والأقاويل والاستطرادات التي لا تخلو من المعاني والدلالات.

وتبدو القصص الثلاث الأولى قريبة من ثلاث أعاجيب جاء ذكرها في الإنجيل، إلا أنها تأتي في المصادر الإسلامية في قالب خاص يؤكد الرواة من خلاله أن عيسى ما هو إلا نبي يحقق المعجزات ويحيي الموتى "بإذن الله"، كما جاء في سورة آل عمران (49) وسورة المائدة (110). تماثل قصة إحياء العازر إلى حد كبير رواية إنجيل يوحنا (11)، حيث يوقظ يسوع صديقه الراقد بأعلى صوته قائلاً: "يا لَعازر، هلمّ فاخرج". وتأتي هذه الصيحة بعد دعاء يتلوه المسيح رافعاً عينيه إلى السماء: "شكراً لك يا أبت على أنك استجبت لي، وقد علمت أنك تستجيب لي دائماً أبداً، ولكني قلت هذا من أجل الجمع المحيط بي لكي يؤمنوا أنك أنت أرسلتني".

وتقارب قصة إحياء ابن العجوز قصة إحياء ابن أرملة نائين في إنجيل لوقا (7)، ويذكر مشهد الفتى الذي "حمل السرير على عنقه" في المصادر الإسلامية بالمُقعد الذي قام وحمل سريره في إنجيل متى (9)، والمُقعد الذي "حمل ما كان مضطجعاً عليه" في إنجيل مرقص (7). وتبدو قصة ابنة العازر التي أحياها عيسى في مجلس الثعلبي قريبة من قصة ابنة يائيرس التي أقامها يسوع في إنجيل مرقص (5)، وكانت في الثانية عشرة من عمرها حين فتك بها المرض، فجاءها يسوع وأخذ بيدها وقال لها "يا صبية قومي"، فقامت وأخذت تمشي.

كرب الموت
تبدو قصة إحياء سام بن نوح غائبة عن الإنجيل، وقد استعادها الرواة المسلمون في الكثير من المؤلفات، يوردها ابن الأثير بإيجاز في "الكامل في التاريخ"، وينقلها ابن الجوزي في سرد إنشائي بليغ في "المنتظم في التاريخ"، جاعلا منها آية عيسى الكبرى، وفقاً لهذه الرواية، سأل بنو إسرائيل عيسى أن يبعث لهم من الآخرة سام بن نوح الذي مات "منذ كذا وكذا ألف سنة".

سار عيسى مع سائليه إلى الموقع الذي دُفن فيه الميت منذ آلاف السنين، وصلّى ركعتين وقال: "يا رب إنهم سألوني ما قد علمت فابعث لي سام بن نوح"، ثم توجه بكلامه إلى الراقد تحت الثرى وقال: "يا سام بن نوح قُم بإذن الله"، وردّد نداءه هذا ثانية وثالثة، فانشقّت الأرض وخرج ابن نوح وهو ينفض التراب عن رأسه ويقول: "لبيك يا رسول الله وكلمته ها أنا ذا قد جئتك". ثم توجّه بكلامه إلى بني إسرائيل وقال لهم: "هذا عيسى بن مريم ابن العذراء المباركة روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم فآمِنوا به واتبعوه".

وعاد وخاطب عيسى وقال له: "يا روح الله إنك لما دعوتني، جمع الله مفاصلي وعظامي ثم سواني خلقا، فلما دعوتني الثانية رجعت إلي روحي، فلما دعوتني الثالثة خفت أن تكون القيامة، فشاب رأسي وأتاني ملَك فقال: هذا عيسى يدعوك لتصدق مقالته. يا روح الله سل ربك أن يردني إلى الآخرة فلا حاجة لي في الدنيا". وشدّد ابن نوح على طلبه هذا وقال لابن مريم: "يا عيسى أكره كرب الموت، ما ذاق الذائقون مثله". فاستجاب نبي الله طلبه ودعا ربه فاستوت الأرض على ابن نوح وقبضه الله إليه من جديد.

نجد في التراث الديني الإسلامي حالات إحياء أخرى اجترحها عيسى "بإذن الله"، ومنها قصة إحياء النبي عزيز، وقد ذكرها ابن الأثير بشكل موجز في تاريخه، وفيها قال بنو إسرائيل لعيسى: "أحْيِ لنا عزيراً وإلا أحرقناك". فدعا ابن مريم الله وعاش عزيز. فقالوا: "ما تشهد لهذا الرجل؟". قال: "أشهد أنه عبد الله ورسوله". ينقل النويري هذه الرواية عن الكسائي ويسجّلها في قالب غني بالتفاصيل يهب الحدث دلالات جديدة. نقرأ في "نهاية الأرب في فنون الأدب": "سأل بنو إسرائيل عيسى أن يحيي لهم عزيراً، فقال: التمسوا قبره فالتمسوه، فوجدوه في صندوق من حجر، فعالجوه ليفتحوا بابه فلم يستطيعوا ذلك. فرجعوا إلى عيسى وأخبروه أنهم عجزوا أن يخرجوه من قبره، فأعطاهم ماء في إناء وقال: إنضحوه بهذا الماء فإنه ينفتح. فانطلقوا ونضحوه بالماء فانفتح طابقه. فأقامه عيسى في أكفانه فنزعها عنه، ثم جعل ينضح جسده بالماء ولحمه ينبت وشعره وهم ينظرون. ثم قال عيسى: يا عزير، احي بإذن الله. فإذا هو جالس. فقالوا: ما شهادتك على هذا الرجل؟ فقال عزير: أشهد أنه روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وأنه عبد الله ونبيه وابن أمته. قالوا: يا عيسى، ادع ربك يحييه لنا، فيكون بين أظهرنا. فقال عيسى: ردوه إلى قبره فإنه انقطع رزقه وانقضى أجله. فردوه إلى قبره".

تأتي هذه الرواية في "نهاية الأرب" بعد ذكر واقعة طريفة يحيي فيها عيسى نفسَين. بحسب رواية النويري، كان عيسى يمرّ برجل يدمن الجلوس عند قبر في المقبرة، فقال له مرة: "يا عبد الله، أراك تكثر القعود على هذا القبر". فأجابه الرجل: "يا روح الله، امرأة كانت لي وكان من جمالها وموافقتها كيت وكيت، ولي عندها وديعة". توضّأ عيسى وصلّى ركعتين، فإذا بكائن أسوَد يخرج من قبره كأنه جذع محترق، فسأله ابن مريم: "ما أنت؟" فقال: "يا رسول الله أنا في عذاب منذ أربعمائة سنة، فلما كانت هذه الساعة قيل لي أجب فأجبت. قد مر عليّ من أليم العذاب ما إن ردني الله إلى الدنيا أعطيته عهداً ألا أعصيه، فادع الله لي". رقّ عيسى لحال الرجل ودعا الله، ثم قال له أن يمضي، فمضى. ينبري هنا الرجل الذي أدمن الجلوس عند قبر زوجته ويقول لعيسى: "يا رسول الله، لقد غلطت بالقبر، إنما قبرها هذا". يدعو عيسى ربه من جديد، وتخرج من القبر امرأة شابة جميلة سرعان ما يأخذها زوجها بيدها ويمضي معها ليستريح إلى جانبها تحت شجرة مورقة.

ومر بهذه الشجرة ابن ملك، فنظر إلى المرأة ونظرت إليه، وأعجب بها وأشار إليها، فتركت زوجها نائماً وتبعته. استيقظ الزوج وراح يبحث عن رفيقته، حتى وجدها وقال: امرأتي، فقال ابن الأمير: جاريتي. ومر بهم عيسى فقال للمرأة: "ردي علينا ما أعطيناك". فسقطت ميتة. وقال عيسى: "هل رأيتم رجلاً أماته الله كافراً ثم بعثه فآمن! وهل رأيتم امرأة أماتها الله مؤمنة ثم أحياها فكفرت!".
نص السؤال :

ما قول السادة العلماء, علماء المذاهب الأربعة في وفاة أو حياة سيدنا عيسى عليه السلام ورفعه إلى السماء بجسده الشريف ثم نزوله من السماء إلى الأرض قرب يوم القيامة، وأن ذلك النزول من أشراط الساعة، أفتونا مأجورين؟

الجواب :


أ- عقيدة أهل السنة في رفع عيسى -عليه الصلاة والسلام-.
قال الحافظ ابن كثير الدمشقي -رحمه الله-:
وكان من خبر اليهود عليهم لعنة الله وسخطه وغضبه وعقابه، أنه لما بعث الله عيسى ابن مريم بالبينات والهدى، حسدوه على ما آتاه الله تعالى من النبوة، والمعجزات الباهرات التي كان يبرئ بها الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، عز وجل، إلى غير ذلك من المعزات التي أكرمه الله بها، وأجراها على يديه.
ومع ذلك كذبوه وخالفوه، وسعوا في أذاه بكل ما أمكنهم، حتى جعل نبي الله عيسى عليه السلام لا يسكانهم في بلد، بل يكثر السياحة هو وأمه عليهما السلام، ثم لم يقنعهم ذلك حتى سعوا إلى ملك دمشق في ذلك الزمان، وكان رجلاً مشركاً من عبدة الكواكب، وكان يقال لأهل ملته: اليونان، وأنهوا إليه أن في بيت المقدس رجلاً يفتن الناس ويضلهم، ويفسد على الملك رعاياه.
فغضب الملك من هذا، وكتب إلى نائبه بالقدس أن يحتاط على هذا المذكور، وأن يصلبه ويضع الشوك على رأسه، ويكف أذاه عن الناس، فلما وصل الكتاب امتثل والي المقدس ذلك، وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيه عيسى عليه السلام،وهو في جماعة من أصحابه اثنى عشر أو ثلاثة عشر، وقيل سبعة عشر نفراً.
وكان ذلك يوم الجمعة بعد العصر ليلة السبت، فحاصروه هنالك، فلما أحس بهم وأنه لا محالة من دخولهم عليه أو خروجه إليهم قال لأصحابه: أيكم يلقى عليه شبهي وهو رفيقي في الجنة؟ فانتدب لذلك شلب منهم، فكأنه استصغره عن ذلك، فأعادها ثانية وثالثة وكل ذلك لا ينتدب إلا ذلك الشاب فقال: أنت هو.
وألقى الله عليه شبه عيسى حتى كأنه هو، وفتحت رونقة من سقف البيت، وأخذت عيسى عليه السلام سِنَةٌ من النوم فَرُفع إلى السماء، وهو كذلك كما قال الله تعالى: { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ }آل عمران-55.
فلما رُفع، خرج أولئك النفر، فلما رأى أولئك ذلك الشاب ظنوا أنه عيسى، فأخذوه في الليل وصلبوه ووضعوا الشوك على رأسه، وأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه وتبجحوا بذلك، وسلّم لهم طوائف من النصارى ذلك لجهلهم وقلة عقلهم، ما عدا من كان في البيت مع المسيح فإنهم شاهدوا رفعه.
وأما الباقون فإنهم ظنوا كما ظن اليهود، أن المصلوب هو المسيح ابن مريم، وقد أوضح الله الأمر وجلاه وبينه، وأظهره في القرآن العظيم الذي أنزله على رسوله الكريم، المؤيد بالعجزات والبنات والدلائل الواضحات.
فقال تعالى وهو أصدق القائلين، ورب العالمين المطلع على السرائر والضمائر، الذي يعلم السر في السماوات والأرض، العالم بما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ }النساء-157، أي: رأوا شبهه فظنوه إياه.
ولهذا قال: { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ }النساء-157، يعني بذلك: من ادعى أنه قتله من اليهود، ومن سلمه إليهم من جهلة النصارى، كلهم في شك من ذلك وحيرة وضلال وسُعُر.
ولهذا قال: { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا }النساء-157، أي: وما قتلوه متيقنين أنه هو، بل شاكين متوهمين { بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا }النساء-158، أي: منيع الجناب لا يرام جنابه، ولا يضام من لاذ ببابه.
{ حَكِيمًا }النساء-158، أي في جميع ما يقدره ويقضيه من الأمور التي يخلقها وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة، والسلطان العظيم، والأمر القديم.
وروى نحواً مما تقدم -من رفع المسيح عليه السلام- ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن ابن عباس، وكذا ذكره غير واحد من السلف: أنه قال لهم: "أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني وهو رفيقي في الجنة؟".
ب- نزول عيسى -عليه السلام- آخر الزمان.
وقد وردت أحاديث كثيرة في نزول عيسى ابن مريم إلى الأرض من السماء، في آخر الزمان قبل يوم القيامة، وأنه يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
منها ما رواه البخاري رحمه الله، في كتاب "ذكر الأنبياء" من صحيحه المتلقى بالقبول، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد وحتى تكون السجدة خيراً له من الدنيا وما فيها) ثم يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا }النساء-159، وكذا رواه مسلم.
ورواه ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، يقتل الدجال، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، ويفيض المال، وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين) قال أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ }النساء-159، موت عيسى ابن مريم، ثم يعيدها أبو هريرة ثلاث مرات.
وروى البخاري عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري: أن أبا هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (كيف بكم إذا نزل فيكم المسيح ابن مريم وإمامكم منكم) وهكذا رواه الإمام أحمد وأخرجه مسلم.
وروى أحمد عن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (الأنبياء إخوة لعَلاَّت، أمّهاتهم شتى، ودينهم واحد، وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه لم يكن نبي بيني وبينه، وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعوا الناس إلى الإسلام، ويهلك الله في زمانه المِلل كلها إلا الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال، ثم تقع الأمانة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، فيمكث أربعين سنة ثم يُتوفى ويصلي عليه المسلمون)، كذا رواه أبو داود أيضاً.
ورواه ابن جرير ولم يورد عند هذه الآية سواه: عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فذكر نحوه، وقال: يقاتل الناس على الإسلام، وذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر في ترجمة عيسى ابن مريم من تاريخه عن بعض السلف: أنه يدفن مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في حجرته، فالله أعلم.
وقد روى البخاري عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: (أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، والأنبياء أولاد عَلاّت، ليس بيني وبينه نبي).
وفي لفظ آخر للبخاري أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ( أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، الأنبياء إخوة لعَلاّت، أمهاتهم شتى ودينهم واحد).
وأحاديث أخرى كثيرة بلغت درجة التواتر.
هل نزل عيسى إلى الأرض بعد رفعه أم لا
السؤال:
هل تم رفع عيسى عليه السلام مرتين إلى لله ؟ لأنني قرأت في أحد الكتب أن عيسى عليه السلام رُفع للسماء ثم رجع ثانية للأرض ليريح والدته ويخبر اليهود شيئا ما ثم رُفع ثانية فهل هذا صحيح ؟
الجواب:
الحمد لله
ذكر لنا الله سبحانه وتعالى رفع عيسى عليه السلام إلى السماء مرة واحدة في قوله تعالى " بل رفعه الله إليه " ولم يذكر لنا الله سبحانه وتعالى أنه أُرجِع إلى الأرض . لذلك فإن على الذين يزعمون أن عيسى أرجع إلى الأرض أن يقدموا لنا الدليل والبرهان على ذلك . فإن لم يستطيعوا ولن يستطيعوا فإن جدالهم ليس له أساس .
قال الله سبحانه وتعالى : ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(55) سورة آل عمران .
قال ابن جرير رحمه الله : " توفيه " هو رفعه ، وقال الأكثرون المراد بالوفاة هاهنا النوم كما قال تعالى : ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ) الآية وقال تعالى : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ) الآية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام من النوم الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور " رواه البخاري 6312 ومسلم 2711 .
وذكره عزّ وجلّ لرفع عيسى إلى السماء فيه ردّ على اليهود الذين زعموا أنهم قتلوه ، فقال سبحانه وتعالى عنهم : فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا(155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا(156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا(157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا(158)وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا(159) سورة النساء
فعيسى عليه السلام لم يمت بعد بل رفعه الله إليه لما أراد اليهود قتله وسينزل في آخر الزمان ويحكم الأرض بالإسلام ويعيش ما شاء الله أن يعيش ثم يُتوفّى ويُصلي عليه المسلمون ، قال ابن كثير رحمه الله : والضمير في قوله " قبل موته " عائد على عيسى عليه السلام أي وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة على ما سيأتي بيانه فحينئذ يؤمن به أهل الكتاب كلهم لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام ..
وقوله تعالى: ( ومطهرك من الذين كفروا ) أي برفعي إياك إلى السماء ، ( وجاعل الذين أتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ) وهكذا وقع فإن المسيح عليه السلام لما رفعه الله إلى السماء تفرقت أصحابه شيعا بعده فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبد الله ورسوله وابن أَمَته ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله وآخرون قالوا هو الله وآخرون قالوا هو ثالث ثلاثة وقد حكى الله مقالتهم في القرآن ورد على كل فريق فاستمروا على ذلك قريبا من ثلاث مئة سنة ثم نبع لهم ملك من ملوك اليونان يقال له قسطنطين فدخل في دين النصرانية ، قيل حيلة ليفسده فإنه كان فيلسوفا وقيل جهلا منه إلا أنه بدل لهم دين المسيح وحرفه وزاد فيه ونقص منه ووضعت له القوانين والأمانة الكبرى التي هي الخيانة الحقيرة وأحل في زمانه لحم الخنزير وصلوا إلى المشرق وصوروا له الكنائس والمعابد والصوامع وزاد في صيامهم عشرة أيام من أجل ذنب ارتكبه فيما يزعمون وصار دين المسيح دين قسطنطين إلى أن بنى لهم من الكنائس والمعابد والصوامع والديارات ما يزيد على اثني عشر ألف معبد وبنى المدينة المنسوبة إليه وأتبعه طائفة الملكية منهم وهم في هذا كله قاهرون لليهود أيده الله عليهم لأنه أقرب إلى الحق منهم وإن كان الجميع كفارا عليهم لعائن الله فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فكان من آمن به يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق فكانوا هم أتباع كل نبي على وجه الأرض . انتهى ، والله تعالى أعلم .


الشيخ محمد صالح المنجد




السؤال: هل مات عيسى عليه السلام على الصليب؟
الإجابة: المسيح عليه السلام قد صانه الله وحماه؛ فلم يقتل، ولم يصلب، وإنما قتل وصلب المشبه به؛ وذلك أنه عليه السلام لما قصد منه أعداؤه من اليهود مقصد السوء، وقاه الله كيدهم، ورفعه عنهم إلى السماء، وألقى شبهه على رجل من الحواريين فأمسكوه وقتلوه، وصلبوه؛ بناء منهم على أنه المسيح عليه السلام، قال الله تعالى في حق اليهود: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ الله وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ الله وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (1).

فمن تأمل هذه الآيات عرف كذب اليهود بدعواهم قتله وصلبه، ولكنهم هموا بقتله، وعزموا عليه، وحاصروه ومن معه في البيت، فأنقذه الله من كيدهم، ورفعه إليه، وألقى شبهه على واحد من أصحابه.

وتأمل قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ}، تجد ذلك صريحا.

وقد صرح المفسرون والمحدثون والمؤرخون بمعنى ما ذكرنا:
قال ابن كثير: قال الحسن البصري ومحمد بن إسحاق: كان يوجد في زمن عيسى ملك اسمه: داود بن نورا، فلما سمع بخبر عيسى أمر بقتله وصلبه، فحصروه في بيت المقدس، وذلك عشية الجمعة ليلة السبت، فلما حان وقت دخولهم، ألقي شبهه على بعض أصحابه الحاضرين عنده، ورفع عيسى من روزنة ذلك البيت إلى السماء، وأهل البيت ينظرون، ودخل الشرطة، فوجدوا ذلك الشاب الذي ألقي عليه شبهه، فأخذوه ظانين أنه عيسى فصلبوه، ووضعوا الشوك على رأسه إهانة له، وسَلَّم لليهود عامةُ النصارى الذين لم يشاهدوا ما كان من أمر عيسى أنه صلب، وضلوا بسبب ذلك ضلالا مبينا، وقال الله تعالى: {إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (2) الآيات. ففي هذه الآيات أن الله وعده بأنه سيتوفاه ويرفعه إليه ويطهره من الذين كفروا، وقد صدق الله وعده، وهو لا يخلف الميعاد.

وهذه الوفاة هي: النوم كما قاله غير واحد من العلماء، وقيل: إنه نزل عليه النوم حينما رفع. والنوم يعبر عنه بالوفاة، قال تعالى: {الله يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} (3).

ومما يدل على أنه رفع إلى السماء وأنه ينزل في آخر الزمان إلى الأرض فيقاتل الدجال، ما قاله ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (4) أي: بعد نزوله إلى الأرض في آخر الزمان قبل قيام الساعة، فإنه ينزل ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام، وتصير الملل في ذلك الوقت ملة واحدة، وهي ملة الإسلام الحنيفية دين إبراهيم، فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا آمن به، وقيل: بل اليهود خاصة، وقال الحسن على هذه الآية: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}، قال: قبل موت عيسى، والله إنه لحيّ الآن عند الله.

وأصح ما قيل في تفسير هذه الآيات ما قاله ابن جرير رحمه الله: إنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى عليه السلام إلا آمن به قبل موته عليه السلام، فيكون الضمير عائدا إلى عيسى. ثم ساق الأحاديث الواردة في هذا، ومنها: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة خيرا من الدنيا وما فيها" (5).

وليس فيما ذكر من كذب اليهود بقتل عيسى عليه السلام ما يدل على براءتهم من إثم قتله، وارتكاب جريمة اغتياله عليه السلام، فإنهم وإن لم يقتلوه بالفعل إلا أنهم صمموا على قتله، وبذلوا كل ما يستطيعون، وعملوا مع من ألقي عليه شبهه، من قتله وصلبه وصفعه وإلقاء الشوك عليه، وغير ذلك من الأشياء التي عملوها ظانين أنه عيسى عليه السلام، ثم صاروا يفتخرون بقتله، فقد باءوا بإثم قتله بلا شك.

ومما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"، قيل: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "إنه كان حريصا على قتل صاحبه" (6).

فكيف يستسيغ أحد أن يبرئ اليهود من إثم قتل المسيح عليه السلام مع هذا الحديث الصريح وغيره من الأدلة، وهم لم يقتلوا الذي ألقي عليه شبهه إلا على أنه هو. وكل من عرف اليهود عرف أنهم أعداء الله، وأعداء لرسله، وأعداء للمسلمين، بل أعداء للنصارى. والله المستعان.

___________________________________________

1 - سورة النساء: الآيات (155- 159).
2 - سورة آل عمران: الآية (55).
3 - سورة الزمر: الآية (42).
4 - سورة النساء: الآية (159).
5 - البخاري (3448)، ومسلم (155).
6 - البخاري (31)، ومسلم (2888) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

من هو الذي ألقي عليه شبه عيسى عليه السلام ؟

عندي بعض الأسئلة عن الشخص الذي صلب بدلا من عيسى عليه السلام، فقد قرأت أنه الشخص الذي خان عيسى (ص) وكان شبهه وأنه صلب بدلا منه، وفي مكان آخر قرأت أنه من أصحاب عيسى ضحى بنفسه وصلب بدلا من عيسى. فما هي الحقيقة؟
الحمد لله :
ورد القرآن ببيان أن عيسى عليه السلام لم يصلب ولم يقتل وأنه رفع إلى السماء ، ولم يرد نص من الوحي يبين لنا تفاصيل ما جرى يوم شُبِّه على اليهود ما شُبِّه عليهم ، لكن صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المسيح عليه السلام قال لمن كان معه من أصحابه في البيت : (أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي ؟ فقام شاب من أحدثهم سنا ، فقال له : اجلس . ثم أعاد عليهم فقام ذلك الشاب ، فقال : اجلس . ثم أعاد عليهم ، فقام ذلك الشاب فقال : أنا , فقال : أنت هو ذاك . فألقي عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (4/337) معلقا على هذا الأثر : "وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ، وكذا ذكر غير واحد من السلف أنه قال لهم : أيكم يلقى إليه شبهي فيقتل مكاني وهو رفيقي في الجنة" انتهى .
ثم قال رحمه الله (4/341): "واختار ابن جرير أن شبه عيسى ألقي على جميع أصحابه" انتهى .
وهذا وارد في أثر عن وهب بن منبه رواه ابن جرير رحمه الله وذكره ابن كثير (4/337) وفيه أنهم لما أحاطوا بعيسى وأصحابه ودخلوا عليهم : ( صورهم الله عز وجل كلهم على صورة عيسى ، فقالوا لهم : سحرتمونا ليبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعا ) حتى خرج إليهم واحد منهم بعدما وعده عيسى عليه السلام بالجنة فأخذوه وصلبوه .
لكن قال ابن كثير بعده : "وهذا سياق غريب جدا" انتهى .
وقال أيضا رحمه الله (4/341) : "وبعض النصارى يزعم أن يودس زكريا يوطا ـ وهو الذي دل اليهود على عيسى ـ هو الذي شبه لهم فصلبوه ، وهو يقول : إني لست بصاحبكم أنا الذي دللتكم عليه . فالله أعلم أي ذلك كان" انتهى .
هكذا ختم ابن كثير رحمه الله هذا البحث بقوله : "فالله أعلم أي ذلك كان" .
والعلم بهذا ليس من ورائه كبير فائدة ، ولو كانت لنا إليه حاجة لبينه لنا نبينا صلى الله عليه سلم .
والله أعلم .
الحكمة


من نزول نبي الله عيسى عليه السلام آخر الزمان


السؤال :
كنت أتناقش مع بعض النصارى في مكان عملي ، فسألني : لماذا لم يمت سيدنا عيسى عليه السلام ؟ ولماذا سوف يظهر في آخر الزمان ، ويكون ذلك من علامات الساعة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
قد ثبت أن عيسى عليه السلام سوف ينزل في آخر الزمان فيقتل المسيح الدجال ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ولا يقبل من أهل الكتاب إلا الإسلام أو السيف ، وقد دلت على هذا مجموعة من النصوص الشرعية .
قال الله تعالى  وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) الزخرف /61 .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
" وقوله: ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ) : تقدم تفسير ابن إسحاق : أن المراد من ذلك : ما بعث به عيسى عليه السلام ، من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، وغير ذلك من الأسقام ، وفي هذا نظر . وأبعد منه ما حكاه قتادة ، عن الحسن البصري وسعيد بن جبير: أن الضمير في ( وَإِنَّهُ ) عائد على القرآن ، بل الصحيح أنه عائد على عيسى عليه السلام ، فإن السياق في ذكره ، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة ، كما قال تبارك وتعالى : ( وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) أي : قبل موت عيسى عليه الصلاة والسلام ، ثم ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ) ، ويؤيد هذا المعنى القراءة الأخرى " وإنه لعَلَم للساعة " أي : أمارة ودليل على وقوع الساعة ، قال مجاهد : ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ) أي : آية للساعة خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة . وهكذا روي عن أبي هريرة ، وابن عباس ، وأبي العالية ، وأبي مالك ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم .
وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام ، قبل يوم القيامة إماما عادلا ، وحكما مقسطا " انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 7 / 236 ) .
ثانيا :
ويظهر أن في نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان ، من الحكم ، والله أعلم بمراده من ذلك :
أن يجعل من أسباب ظهور الإسلام ، الذي هو دين الأنبياء جميعا ، ظهورا كاملا شاملا على هذه الأرض ؛ أن ينزل عيسى ابن مريم ، بعدما اختلف الناس فيه ، وتحزبوا لأجله على أحزاب وطوائف ، ليدل هؤلاء المختلفين على حقيقة أمره ، ويفصل بينهم فيما اختلفوا فيه من شأنه ؛ فينصر المسلمين ، ويقاتل اليهود ، ويقتل زعيمهم المسيح الدجال ، ويلزم النصارى بالإسلام ، ولا يقبل منهم جزية ، ويبطل مقالتهم ، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير.
عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ : وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ، وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ) ) رواه البخاري ( 3448 ) ، ومسلم ( 155 ) .
وفي هذا بيان لإبطال ما سوى الإسلام من الأديان ، وعدم إقرار أهلها عليها ، لا بجزية ولا غيره ، وإظهار أحكام الإسلام ، وشريعته التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم ، وإقامة الحجة على أهل الكتاب ، في بطلان ما هم عليه .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" والمعنى : أن الدين يصير واحدا ، فلا يبقى أحد من أهل الذمة يؤدي الجزية" .
انتهى من "فتح الباري" (6/568) .
وقد تلمس بعض أهل العلم حكما أخرى لذلك ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
" قال العلماء : الحكمة في نزول عيسى دون غيره من الأنبياء الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه ، فبين الله تعالى كذبهم وأنه الذي يقتلهم ، أو نزوله لدنو أجله ليدفن في الأرض ، إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها ، وقيل إنه دعا الله لما رأى صفة محمد وأمته أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل في آخر الزمان مجددا لأمر الإسلام ، فيوافق خروج الدجال ، فيقتله والأول أوجه " انتهى من " فتح الباري " ( 6 / 493 ) .
والله أعلي
 السؤال : قد كتب دان براون في كتابه : " سر داوينجي " أن المسيح عيسي بن مريم قد تزوج امرأة زانية اسمها مريم المجدلية ، وكان لهما ابنة اسمها سارة . هل هذا صحيح حسب الروايات الإسلامية ؟ وإن لم يكن صحيحًا فلماذا لم يتزوج عيسي بن مريم عليهما السلام ؟.
الجواب :
الحمد لله
لم يرد في صريح الكتاب والسنة الصحيحة نص يدل على إثبات أو نفي زواج السيد المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام ، وإن كان في القرآن الكريم ما يدل على أن الزواج عموماً من هدي المرسلين ، فقد قال سبحانه وتعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ) الرعد/38 ، فذلك لا يمنع أن يكون بعضهم مستثنى من ذلك ، وهذا الاستثناء كان كمالاً في حقه وفي شريعته ، كما أن زواج الأنبياء ـ عموماً ـ وما أوتوا من الأزواج والذرية ، كان كمالاً لهم .
وقد الله تعالى في بشارته لنبيه زكريا عليه السلام بولده الذي يولد له ، يحي عليه السلام :
( فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ ) آل عمران/39 .
قال القاضي عياض رحمه الله :
" فإن قيل : كيف يكون النكاح وكثرته من الفضائل ، وهذا يحيى بن زكريا عليه السلام قد أثنى الله تعالى عليه أنه كان حصوراً ؛ فكيف يثنى الله عليه بالعجز عما تعده فضيلة ؟! وهذا عيسى ابن مريم عليه السلام تبتل من النساء ، ولو كان كما قررته لنكح ؟
فاعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى ـ بأنه حصور ـ ليس كما قال بعضهم : إنه كان هيوباً ، أو لا ذكر له ؛ بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين ونقاد العلماء ، وقالوا هذه نقيصة وعيب ولا يليق بالأنبياء عليهم السلام ، وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب ، أي : لا يأتيها ، كأنه حصر عنها .
وقيل : مانعا نفسه من الشهوات ، وقيل : ليست له شهوة في النساء .
فقد بان لك من هذا : أن عدم القدرة على النكاح نقص ؛ وإنما الفضل في كونها موجودة ثم قمعها ، إما بمجاهدة كعيسى عليه السلام ، أو بكفاية من الله تعالى كيحيى عليه السلام ، فضيلة زائدة ؛ لكونها مشغلة في كثير من الأوقات ، حاطّة إلى الدنيا، ثم هي في حق من أقدر عليها وملكها وقام بالواجب فيها ولم يشغله عن ربه : درجة علياء ، وهى درجة نبينا صلى الله عليه وسلم ، الذي لم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه ، بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته إياهن . " انتهى .
الشفا بحقوق المصطفى ، للقاضي عياض (188-89) ، وانظر : تفسير ابن كثير (2/38) ، وأيضا : "التحرير والتنوير"، لابن عاشور (13/162-163) .
وقال الشيخ الطاهر ابن عاشور رحمه الله :
" وأما ترك المسيح التزوج فلعله لعارض آخر أمره الله به لأجله ، وليس ترك التزوج من شؤون النبوءة فقد كان لجميع الأنبياء أزواج قال تعالى : ( وجعلنا لهم أزواجاً وذرية ) الرعد/38 " انتهى.
"التحرير والتنوير" (27/425)
وأما ما جاء في رواية " شيفرة دافنشي " لكاتبها " دان براون " ، فليس فيها إلا إثارة لمواضيع حساسة لدى الكنائس الغربية لقصد الإثارة وتحقيق الأرباح فقط ، وليس بغرض البحث العلمي، ولا التحقيق التاريخي، وقد أثارت هذه الرواية جدلاً واسعاً في الأوساط النصرانية ، وكتب الكثيرون منهم ردوداً على ما جاء فيها من تفصيلات تعارضها الكنيسة .
وأما نحن المسلمين فنقول : المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام من أولي العزم من الرسل ، وهو كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه ، وأما أنه تزوج أو لم يتزوج ، فأي الأمرين وقع له ، فهو فضل وكمال في حقه ، ولا ينقص من قدره عند الله شيئاً ، صلى الله عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والرسل .
والله أعلم .
السؤال : بما أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء فلم لم يرفع إلى السماء بدلا من عيسى ؟ ولماذا اختص الله عيسى بالرفع دون سائر الأنبياء ؟
الجواب :
الحمد لله
" إن الله تعالى وسع كل شيء رحمة وعلما ، وأحاط بكل شيء قوة وقهرا ، سبحانه له الحكمة البالغة ، والإرادة النافذة ، والقدرة الشاملة ، اصطفى من شاء من الناس أنبياء ورسلا مبشرين ومنذرين ، ورفع بعضهم فوق بعض درجات ، وخص كلا منهم بما شاء من المزايا ، فضلا منه ورحمة ، فخص بالخلة خليله إبراهيم ومحمداً عليهما الصلاة والسلام ، وخص كل نبي بما أراد من الآيات والمعجزات التي تتناسب مع زمنه ، وبها تقوم الحجة على قومه ، حكمةً منه وعدلاً ، لا معقب لحكمه ، وهو العزيز الحكيم اللطيف الخبير ، وليس كل مزية بمفردها بموجبة للأفضلية ، فاختصاص عيسى برفعه إلى السماء حيا جارٍ على مقتضى إرادة الله وحكمته ، وليس ذلك لكونه أفضل من إخوانه المرسلين ، كإبراهيم ومحمد وموسى ونوح عليهم الصلاة والسلام ، فإنهم أعطوا من المزايا والآيات ما يقتضي تفضيلهم عليه .
وبالجملة ، فمرجع الأمر في ذلك إلى الله ، يدبره كما يشاء ، لا يُسأل عما يفعل ، لكمال علمه وحكمته ، ثم إنه لا يترتب على السؤال عن ذلك عمل أو تثبيت عقيدة ، بل ربما أصيب بالحيرة من حام حول ذلك ، واستولت عليه الريب والشكوك ، وعلى المؤمن التسليم فيما هو من شؤون الله ، وليجتهد فيما هو من شؤون العباد عقيدة وعملا ، وهذا هو منهج الأنبياء والمرسلين ، وطريق الخلفاء الراشدين ، وسلف الأمة المهديين . والله أعلم .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (3/476) .
شبهة حول ما أخبر به القرآن في شأن عيسى عليه السلام !!


كيف تطلبون من غير المسلمين أن يصدقوا ما في كتابكم بشأن عيسى ، ورفض صلبه ، وبنوته لله ، مع أن الكتاب المقدس قد أخبر بذلك ؟.
الحمد لله
لعله من القول المعاد هنا أن ننبه على أن الأناجيل ، أو الكتاب المقدس الذي نتكلم عنه ، والذي يوجد في أيدي الناس اليوم ، هو شيء آخر غير الذي نزل من عند الله على عبده ورسوله عيسى بن مريم ، عليه السلام ؛ فذاك الذي نزل من عند الله لا يصح لأحد إيمانه إذا كفر به ، أو بشيء منه ، وقد سبق التنبيه على ذلك في السؤال رقم [47516 ] .
غير أنه ، ولحكمة بالغة ، لم يزل تحريف الأيدي ، وليّ الألسن يعبث بذلك الكتاب ، ولم تزل تعدو عليه صروف الدهر ، وحوادث الأيام من قديم ، حتى ضاع أصله الإلهي ، وانقطع من أيدي الناس ، ولم يعد بين أيديهم إلا خليط مختلف من ظلمات الشرك والتثليث ، مع بصيص من نور التوحيد ، وأخلاط من الكذب والتحريف المتتابع ، زمانا بعد زمان ، مع أثارة من الصدق وعلم النبيين .
ولقد صار من المتعذر ، بل من المستحيل ، مع بعد العهد ، وتتابع العبث ، أن يقطع أحد بصدق شيء من ذلك الكتاب أو كذبه ، إلا إذا عرض على الحق المهيمن على ما قبله ، والمصدق لما بين يديه ، الذي لم يشب نوره الإلهي بظلمة من الجهل أو الهوى ، ولا صدقه الخالص بكذبة ، أو حتى غلطه ، وليس ذلك إلا القرآن الكريم الذي تكفل الله بحفظه ، كما قال الله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9 .
ومع أن واحدا من كبار الدارسين عند القوم ، والمدافعين عن الكتاب المقدس ، وهو نورتن ، حاول أن يدافع عن الكتاب المقدس أمام طعن إكهارن الجرمني ، فقد اضطر إلى أن يعترف بأن تمييز الصدق من الكذب في هذا الزمان عسير !!
ومن هنا نصل إلى موضوع السؤال ، لنقول : إن من لم يؤمن بالقرآن ، لن يصح له كتاب يؤمن به ، ومن طعن في صدق النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وصحة دين الإسلام ، لم يمكنه أن يقيم دليلا على صحة دينه الذي يتمسك به .
ووجه ذلك أن من طعن في صدق النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما أخبر به من نبوته ، والوحي المنزل عليه من السماء ، مع أن ظهرت على يديه المعجزات الدالة على صدقه في ما قال ، وبقي حياته يتحدى أعداءه بالكتاب الذي ينسبه إلى وحي ربه أن يأتوا بمثله ، أو بشيء منه ، بل أن تحدى الإنس والجن جميعا أن يجتمعوا ويتظاهروا ، ويتساعدوا ، من أجل أن يأتوا بمثل هذا القرآن : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا ً) الإسراء/88
ولم يحدث أنهم فعلوا وأتوا بمثله ، على ما مر من التاريخ بعده ، وعلى كثرة ما عارضه من الأعداء ، وودوا لو أثبتوا كذبه ، وهيهات !!
ثم بقي ذلك النبي بعد ذلك منصورا على أعدائه ، لم يبطلوا له حجة ، ولا وقفوا له على كذبة في خبر ، ولو كان من حديث الناس الذي يألفونه ، فضلا عن أن يكذب على ربه الذي أرسله .
وليت شعري ، إذا طعنوا في ذلك كله ، فأنى لهم أن يقيموا دليلا على صحة "الإلهام" الذي اعتمدوا عليه في تصديق كتبهم ، مع أنهم لا يدعون أن هذه الأناجيل أنزلت على عيسى ، أو أنه كتبها ، أو أملاها ، أو حتى كتبت في حياته !!
هذا مع أنه لا يوجد دليل محقق على شخصية الأربعة الذين كتبوا هذه الأناجيل ، ومن يكونون ، وكيف كانت سيرتهم وحياتهم ، وهل كان ما كتبوه كان من من الوحي الإلهي ، أو الإلهام ، على حد تعبيرهم ، أو كان من بنات أفكارهم ، ووحي شياطينهم . يقول هورن ، أحد كبار مفسري الكتاب المقدس : ( إذا قيل إن الكتب المقدسة أوحيت من جانب الله ، فلا يراد أن كل لفظ ، والعبارة كلها من إلهام الله ، بل يُعلم من اختلاف محاورة المصنفين ، واختلاف بيانهم أنهم كانوا مُجَازين (؟!) [ يعني : كانوا مسموحا لهم ] أن يكتبوا على حسب طبائعهم وعاداتهم وفهومهم ، ولا يُتخيل أنهم كانوا ملهمين في كل أمر يبينونه ، أو في كل حكم كانوا يحكمونه ) .
وقد أشارت دائرة المعارف البريطانية إلى خلاف علماء النصارى وباحثيهم في شأن هذا الإلهام : هل كل قول مندرج في الكتب المقدسة إلهامي أو لا ؟ ثم علقت في موضع منها ( 19/20) على ذلك : ( إن الذين قالوا إن كل قول مندرج فيها إلهامي ، لا يقدرون أن يثبتوا دعواهم بسهولة ) .
ونقول : ولا بصعوبة !!
وإزاء عشرات المواضع المتضاربة فيما بين هذه الأناجيل ، بعضها وبعض ، وعشرات الأغلاط التاريخية ، والنبوءات الكاذبة التي لم تتحقق ، قرر فريدريك جرانت أن ( العهد الجديد كتاب غير متجانس ، ذلك أنه شتات مجمع ، فهو لا يمثل وجهة نظر واحدة تسوده من أوله إلى آخره ، لكنه في الواقع يمثل وجهات نظر مختلفة ) .
وأما دائرة المعارف الأمريكية فتذكر ( أن هناك مشكلة هامة وصعبة تنجم عن التناقض الذي يظهر في نواح كثيرة بين الإنجيل الرابع ، والثلاثة المتشابهة ؛ إن الاختلاف بينهم عظيم ، لدرجة أنه لو قبلت الأناجيل المتشابهة ، باعتبارها صحيحة وموثوقا فيها ، فإن ما يترتب على ذلك هو عدم صحة إنجيل يوحنا ) .
هذا مع اعتبار أن إنجيل يوحنا هو أشد هذه الأناجيل تقريرا لعقيدتهم في التثليث ، بل إنهم ليعترفون أنه ألف من أجل تقرير هذه العقيدة التي أخلت بها الأناجيل الأخرى ، وقطع اختلاف الناس في شأنها !!
إن الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تتمسك بشدة بعقيدة الإلهام ، كأصل للكتاب المقدس ، وأكدت على ذلك في مجمع الفاتيكان عام ( 1869-1870) ، عادت أمام هذه الحقائق لتعترف ، بعد نحو قرن ، في المجمع المسكوني الثاني للفاتيكان ( 1962-1965) بأن هذه الكتب تحتوي على شوائب ، وشيء من البطلان ، على ما نقله الباحث الفرنسي الكاثوليكي [ الذي أسلم فيما بعد ] د موريس بوكاي .
ثم إن من كذب بشيء من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحواله وسيرته الدالة على صدقه ، كيف له أن يثبت معجزات هؤلاء الرسل المزعومين الذي كتبوا الأناجيل ، أو يدلل على صدقهم في دعوى الإلهام ؟!
إن دعوى الإلهام صادقة في زعمهم بدليل شهادة الكتاب المقدس ، وما فيه من ذكر معجزاتهم ، والكتاب المقدس وما فيه صادق لأنه إلهام !!
وهكذا ينتهي استدلالهم إلى الدور الباطل ، كما نقله ريس في دائرة معارفه عن بعض المحققين : فالكتاب المقدس صحيح لأنه إلهام ، وإلهامهم صادق لأن الكتاب المقدس شهد به !!
ومن كذب بالقرآن المنقول بالتواتر ، الفاشي في مشارق أرض الإسلام ومغاربها ، جيلا بعد جيل ، حفظا وكتابة ، لا تختلف نسخه ، ولا تضطرب ولا تتعارض ، أنى له أن يثبت صحة الأناجيل التي يعتمد عليها ، والتي لم توجد مجرد إشارة لها ، فضلا عن أن توجد أعيانها ، قبل مضي نحو قرنين من وفاة المسيح ، على ما نقله نورتن عن إكهارن الجرمني ، ثم ما وقع في مطلع القرن الرابع بالنصارى من البلاء ، والهدم لكنائسهم ، وتحريق كتبهم ، ما يفقد الثقة بكتبهم التي وجدت بعد ذلك : فمتى وجدت ، وعند من كانت في فترة الاضطهاد والاستخفاء ، وكيف وصلت إلينا ، وكيف ، وكيف ... ، أسئلة كثيرة تدور حول هذه المعضلة ، فيما عبرت عنه دائرة المعارف البريطانية بقولها :
( ليس لدينا أية معرفة مؤكدة بالنسبة للكيفية التي تشكلت بموجبها قانونية الأناجيل الأربعة ، ولا بالمكان الذي تقرر فيه ذلك ) .
وأما الجهل بالمترجم الذي نقلها عن اللغة الأصلية التي كتبت بها ، وما مدى الثقة بعلمه ودينه وكفايته لهذه المهمة ، وكيف لنا أن نتأكد من أنه نقلها على وجهها ، فذلك لون آخر !!
[ يمكن مراجعة تفصيل ما أجملناه في هذا الجواب في : إظهار الحق ، للشيخ رحمة الله الهندي ، ومناظرة بين الإسلام والنصرانية ، للشيخ محمد جميل غازي وآخرين ]
والله يهدينا وإياكم إلى صراطه المستقيم .
نهايــة المسـيح عليـه السـلام :
لم تكن نهاية السيد المسيح على الأرض أقل عجباً من ولادته ! فبعد أن لاقت دعوته الرفض من يهود ، وبعد أن بهتوا أمه البتول ، فاض حقدهم عليه ، فعزموا على قتله وصلبه ، فنجّاه الله منهم ورفعه إليه ، ((وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيماً، وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ))، وفي إنجيل برنابا نقرأ : "دخلت الجنود وألقوا أيديهم على يهوذا لأنه كان شبيهاً بيسوع من كل وجه .. فأخذ الجنود يهوذا وأوثقوه .. وقادوه إلى جبل الجمجمة ، وهناك صلبوه ، ولم يفعل يهوذا شيئاً سوى الصراخ : يا الله لماذا تركتني"(29)، وفي هذا العصر برّأت الكنيسة اليهود من دم المسيح ، لاقتناعها ضمناً بأن المصلوب لم يكن المسيح ، وإلا فهل يعقل أن تُفرِّط الكنيسة بدم المسيح هذا التفريط مهما كانت الأسباب ؟! . ونتساءل مع الدكتور سامي عصاصة : "هل اســتغرق اكتـشـــاف هــذا الخطأ ألفي عـام قبــل أن يجري تصحيحه؟!"(30).
ومثلما تفرّد القرآن الكريم بالحديث عن المسيح قبل مولده ، تفرد أيضاً بالحديث عنه يوم القيامة يوم يقوم الأشهاد . ففي موقف مستقبلي مهيب ، يرسم القرآن الكريم مشهداً جليلاً يصور فيه موقف المسيح مع إخوانه الأنبياء بين يدي الله تعالى يوم الحساب : (( وَإِذْ قَالَ اللّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ، مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ، إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ )) (31).
إنه استجوابٌ هائل في موقف مرهوب ، وجوابٌ من المسيح كله أدب مع الله ، ((إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ )) فهو لم يقل في جوابه "لا لم أقله" ! وهذا من أبلغ الأدب مع الله تعالى ، وحقاً إن التاريخ يغدو قصة فارغة إذا خلا من أدب الأنبياء ، ومن سير الأنبياء ، ومن تعاليم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
تاريـخ المســلم :
وثمة كلمة مسلمة نقولها في المسيح عليه السلام ، إن المسلم لا يكون مسلماً أبداً إن لم يؤمن بأنبياء الله كلهم كإيمانه بمحمد عليه السلام ، فإذا كفر بواحد منهم ، أو تناوله بكلمة سوء واحدة ، فقد انسلخ عن الإسلام ، فمن لا يؤمن برسول من الرسل الكرام هو كمن لا يؤمن به كلهم ، وإن تاريخ المسلم هو تاريخ الرسالات السماوية كلها ، فهو يؤمن بإبراهيم وموسى وعيسى ، وبالتوراة والإنجيل كإيمانه بمحمد وبالقرآن سواء بسواء ، قال الله تعالى : (( وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ )) (32).
والمسلم يسير أبداً في ركب الأنبياء عليهم السلام ، فهو يترسَّم خُطاهم ، ويعتبر تاريخَهم تاريخَه ، ونحن المسلمين ، مذ كنا صغاراً تفتحت قلوبنا على آدم في جنته ، وعلى نوح في سفينته ، وعلى إبراهيم يحطم الأصنام بساعديه ، وعلى موسى إذ يشق البحر بعصاه ، وعلى عيسى بن مريم إذ أتت به قومها تحمله فكلمهم في المهد ، وعلى محمد في غاره يردّد قول الأمين جبريل : (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ )) .. نحن المسلمين-يقول القرضاوي : "إذا جاءنا اليهود تحت راية موسى ، جئناهم تحت رايــة موســـى وعيســى ومحمد عليهم السلام"، ونحن المسـلمين لا نعيش – بحمد الله – أية عقدة تجاه أية رسالة سماوية أو أي رسول ، ونحن كما قال نبينا محمد ، "أولى الناس بعيسى بن مريم" إذ يسكن حبه وحب أمه الطاهرة في أعماقنا، وهذا الحب لا يوازيه إلا محبتنا لسائر الأنبياء الكرام .
هذه هي نظرتنا إلى الأنبياء فهل سينظر أتباعهم إلى نبينا النظرة ذاتها ؟ يقول م. كويت "قد شب أغلب الغربيين على كراهية الإسلام ، بينما شب المسلمون على حب المسيح والإنجيل المنزل عليه"(33) . ويقول البريطاني أرسكين تشايلدرز : "إن العلاقة بين المسلمين وغيرهم لم تكن متوازنة من البداية ! فقد اعترف الإسلام بالديانات السماوية واعتبر الإيمان بأنبيائها جزءاً من سلامة اعتقاد المسلم ، في حين أن أهل هذه الأديان لم يعترفوا بالإسلام ولم يهادنوه يوماً".
ويقول رينيه ديكارت في (مقالة الطريقة ): "نحن والمسلمون في هذه الحياة .. ولكنهم يعملون بالرسالتين العيسوية والمحمدية ، ونحن لا نعمل بالثانية، ولو أنصفنا لكنا معهم جنباً إلى جنب لأن رسالتهم فيها ما يتلاءم مع كل زمان" ، ويقول المسلم د. محمد غريب : "لو عرف المسيحيون الإسلام وأسلموا لأكرموا المسيح عليه السلام أكثر" .
نأمل أن يكون البحث عن الحقيقة هو رائد الناس كل الناس ، ونأمل أن يؤدي الصدق مع الذات إلى مراجعة واعية للمواقف والاعتقادات ، ونرجو أن يؤدي التفكر والحوار الموضوعي دورهما في طريق البحث عن الحقيقة .
***
" عن كتاب " ربحت محمداً ولم أخسر المسيح "
مشاركة على
    • التعليق بإستخدام حساب جوجل
      تعليقات الفيسبوك

    0 التعليقات :

    إرسال تعليق

    إخترناها لك
    ×